عَنْ اجْتِهَادِهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَعَهُ فَالْمَنْعُ عَنْ الرُّجُوعِ وَاجِبٌ
(وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الرُّجُوعِ عِنْدَ ظُهُورِ مُوجِبِهِ لَيْسَ مُطْلَقًا بِبَاطِلٍ بَلْ فِيمَا إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ (قَالَ عُبَيْدَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ السَّلْمَانِيُّ (لِعَلِيٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (حِينَ رَجَعَ) عَنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ (قَبْلَهُ) أَيْ انْقِرَاضِ الْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ وَمَقُولُ قَوْلِ عُبَيْدَة (رَأْيُك) وَرَأْيُ عُمَرَ (فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ) إلَيَّ (مِنْ رَأْيِك وَحْدَك) فِي الْفُرْقَةِ فَضَحِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُخَالَفَةً لِلْإِجْمَاعِ بَلْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَى اشْتِرَاطَهُ) أَيْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، ثُمَّ لَيْسَ هَذَا الرَّأْيُ مِنْهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِمُتَعَيِّنِ الِاعْتِبَارِ حَتَّى يَنْتَهِضَ حُجَّةً لِلْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَقَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَأَنَا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ اقْضُوا فِيهِ مَا أَنْتُمْ قَاضُونَ فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ أَصْحَابِي (قَالُوا) أَيْ الْمُشْتَرِطُونَ ثَانِيًا (لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ الرَّاجِعِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى كُلُّ الْأُمَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ مَنْ مَاتَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلُّ الْأُمَّةِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ
(أُجِيبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ) مُخَالَفَةِ (الْمَيِّتِ مُخْتَلَفٌ) فِيهِ فَعَلَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ لَهُ نَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا قَوْلَ لِلْمَيِّتِ (وَعَلَى الِاعْتِبَارِ) لَهُ نَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ، وَحِينَئِذٍ (الْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا (تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ) أَوَّلًا بِمُوَافَقَتِهِ (قَبْلَ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ) اعْتِبَارُ مُخَالَفَتِهِ ثَانِيًا (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ) الْإِجْمَاعُ (قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ الْمُخَالِفِ، ثُمَّ الْقَوْلُ لَمْ يَمُتْ بِقَوْلِ قَائِلَهُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ قَوْلِ قَائِلَةٍ لِدَلِيلِهِ لَا لِذَاتِ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ غَيْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِالدَّلِيلِ وَدَلِيلُ الْمَيِّتِ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَانَ كَبَقَائِهِ مُخَالِفًا فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ وُجِدَ مِنْ الْأُمَّةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ.
هَذَا وَكَوْنُ فَائِدَةِ الِاشْتِرَاطِ جَوَازَ رُجُوعِ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ لَا دُخُولَ مَنْ سَيَحْدُثُ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَتَّى يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ وَقَدْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ فَلِمَ لَا يَدْخُلُ وَيُعْتَبَرُ حَتَّى لَا يَتِمَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُجُوعُ بَعْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ أَفَادَنِي مَعْنَى هَذَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَإِذَا كَانَ اللَّاحِقُ صَارَ كَالسَّابِقِ فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ انْقِرَاضُ عَصْرِهِ كَمَا فِي السَّابِقِ وَكَوْنُ اعْتِبَارِ انْقِرَاضِ عَصْرِهِ أَيْضًا يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْإِجْمَاعِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ بَلْ عَدَمَ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]
(مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) كَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَالْقَفَّالِ الْكَبِيرِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ (وَغَيْرِهِمْ) كَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ (لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ) لِغَيْرِ الْمُجْمِعِينَ بِأَنْ اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاعْتَقَدَ كُلٌّ حَقِّيَّةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ خِلَافُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْثِ عَنْ الْمَأْخَذِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَحَدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ حَقِّيَّةَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ حَتَّى تَبْقَى الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً كَمَا كَانَتْ (وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُهُ) أَيْ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِغَيْرِهِمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ سِرَاجٌ الْهِنْدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ (وَنَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ اشْتِرَاطِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِغَيْرِهِمْ
(عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلٌّ) مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَنَفْيِ اشْتِرَاطِهِ (مِنْ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ الْمُخْتَلَفِ) فِيهِ جَوَازٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute