كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَدْ طَالَعْتُ كَثِيرًا مِنْ دَوَاوِينِ الْعَرَبِ جَاهِلِيهَا، وَإِسْلَامِيِّهَا فَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ مِنْ عَدَدٍ. اهـ.
وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ التَّجَوُّزِ بِاسْمِ الْعَدَدِ فِي جُزْئِهِ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ النَّصِّ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ نَصٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ اللَّبْسَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحَقُّقِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الِاسْمُ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِ مَدْلُولِهِ احْتِمَالًا مُتَسَاوِيًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَخْرُجُ النَّصُّ عَنْ النَّصِّيَّةِ، وَالْعَجَبُ تَجْوِيزُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَلْفِ التَّكْثِيرُ وَمَنْعُ تَجْوِيزِهِ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَدْلُولِهِ النَّصِّيِّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَدْلُولِهِ النَّصِّيِّ فَإِنْ كَانَ كَوْنُهُ نَصًّا فِي مَدْلُولِهِ مَانِعًا مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلْيَكُنْ مَانِعًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّكْثِيرِ لَا فِي بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي التَّكْثِيرِ لَا فِي بَعْضِهِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ عَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهُ فِي بَعْضِهِ وَكَيْفَ لَا وَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَلْفَ فِيهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِهِ لَا أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ التَّكْثِيرُ اتِّفَاقًا ثُمَّ قِلَّةُ الْوُقُوعِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة شَرْطُ إخْرَاجِهِ أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ]
(مَسْأَلَةُ الْحَنَفِيَّةِ) (شَرْطُ إخْرَاجِهِ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى بَعْضًا (مِنْ الْمُوجَبِ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَصْدًا لَا ضِمْنًا) أَيْ لَا تَبَعًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَقْتَصِرُ عَمَلُهُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ (فَلِذَا) الشَّرْطِ (أَبْطَلَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا) أَيْ بِالْخُصُومَةِ (لِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ لِلْوَكِيلِ (بِتَضَمُّنِ الْوَكَالَةِ إقَامَتَهُ) أَيْ الْمُوَكِّلِ الْوَكِيلَ (مَقَامَ نَفْسِهِ) لَا بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَدْخُلُ فِي الْخُصُومَةِ قَصْدًا حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ مِنْهَا، وَلِهَذَا قَالَ: لَا يَخْتَصُّ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَمَا لَا يَخْتَصُّ إقْرَارُ الْمُوَكِّلِ بِهِ (إذْ الْخُصُومَةُ لَا تَنْتَظِمُهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَمُوَافَقَةٌ، وَالْخُصُومَةُ مُنَازَعَةٌ وَإِنْكَارٌ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ (وَإِنَّمَا أَجَازَهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْهَا (مُحَمَّدٌ) لِوَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (لِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْخُصُومَةِ (مَجَازًا فِي الْجَوَابِ) مُطْلَقًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: ٤٦] فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبٌ لِلْجَوَابِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ (فَكَانَ) الْإِقْرَارُ (مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ مُطْلَقِ الْجَوَابِ، قَالُوا: وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا يَكُونُ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَعَلَى هَذَا مَا فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فِي كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا مَا فِيهِمَا أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ، فَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ مَوْصُولًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَفْصُولًا، ثُمَّ جَوَازُهُ مَوْصُولًا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ لَا مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ
وَفِي الْمَنْبَعِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ فِي عَقْدِ التَّوْكِيلِ إنَّمَا جَازَ لِحَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ مِنْ الطَّالِبِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ عَمَلٌ بِحَقِيقَةِ اللُّغَةِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ تَقْرِيرًا لِمُوجَبِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بَيَانُ تَقْرِيرٍ لَا اسْتِثْنَاءٍ عَلَى هَذَا يَصِحُّ مَوْصُولًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute