بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ لِقَوْلِهِ (وَفَصَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَغْرِقَ (الْحَنَفِيَّةُ إلَى مَا بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ) فِي الْمَفْهُومِ كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ إلَّا مَمَالِيكِي (فَيَمْتَنِعُ وَمَا بِغَيْرِهِمَا) وَلَوْ مُسَاوِيًا فِي الْوُجُودِ وَأَخُصُّ فِي الْمَفْهُومِ (كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا، وَهُمْ الْكُلُّ وَكَذَا نِسَائِي) طَوَالِقُ (إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ) وَفُلَانَةَ أَوْ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ (فَلَا) يَمْتَنِعُ فَلَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَالُوا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ طَلْقَةً كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يَقَعُ سِوَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثِ (وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ الْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ، وَمَنَعَهُمَا) أَيْ الْأَكْثَرَ وَالنِّصْفَ (الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي) أَوَّلًا وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ خَصَّ الْقَاضِي آخَرَ أَوْ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ الْمَنْعَ بِالْأَكْثَرِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عَدَدًا صَرِيحًا) يَمْتَنِعُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ كَعَشَرَةٍ إلَّا سِتَّةٌ أَوْ إلَّا خَمْسَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَرِيحٍ لَا يَمْتَنِعَانِ فِيهِ كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَّا الْجُهَّالَ، وَهُمْ أَلْفٌ، وَالْعَالِمُ فِيهِ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ إلَى الْوَاحِدِ، وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ يَمْتَنِعُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْعَدَدِ مُطْلَقًا (لَنَا فِي غَيْرِ الْعَدَدَ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ} [الحجر: ٤٢] ، وَهُمْ) أَيْ مُتَّبِعُوهُ (أَكْثَرُ) مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} [يوسف: ١٠٣] الْآيَةَ) فَإِنْ قُلْت إمَّا أَنْ يُرَادَ بِعِبَادِي مَا يَعُمُّ الْمَلَكَ وَالْإِنْسَ وَالْجِنَّ، وَحِينَئِذٍ فَمُتَّبِعُوهُ أَقَلُّ أَوْ الْمُؤْمِنُونَ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ قُلْت الْمُرَادُ بِعِبَادِي هُنَا بِقَرِينَةِ سَوْقِ الْآيَةِ الْإِنْسُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ وَمُتَّبِعُوهُ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ مِنْهُمْ لِلْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْت اللَّامُ فِي النَّاسِ فِيهَا لِلْعَهْدِ، وَهُمْ الْمَوْجُودُونَ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُتَّبِعِينَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْ عَامَّةِ بَنِي آدَمَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُرَادِينَ بِقَوْلِهِ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّامَ فِي النَّاسِ لِلْعَهْدِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ وَمُلَاحَظَةُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَاهِدَةٌ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى مَعَ مُؤَكِّدِهِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ «وَكُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته» ) كَمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ طَوِيلٍ رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَكْثَرُ مِمَّنْ لَمْ يُطْعِمْهُ (وَمِنْ الْعَدَدِ إجْمَاعُ) فُقَهَاءِ (الْأَمْصَارِ عَلَى لُزُومِ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعَةٌ قَالُوا عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ مُسْتَقْبَحٌ عَادَةً أُجِيبَ اسْتِقْبَاحُهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصِّحَّةِ كَعَشَرَةٍ إلَّا دَانَقًا وَدَانَقًا إلَى عِشْرِينَ) دَانَقًا، وَهُوَ سُدُسُ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ مُسْتَقْبَحٌ وَلَيْسَ اسْتِقْبَاحُهُ لِأَجْلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْكُلِّ بَلْ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ مَعَ إمْكَانِ الِاخْتِصَارِ.
(وَالْحَاصِلُ صَرْفُ الْقُبْحِ إلَى كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ لَا إلَى مَعْنَاهُ) وَاحْتَجَّ ابْنُ عُصْفُورٍ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا لَخَرَجَتْ عَنْ نُصُوصِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ مِنْ الْأَلْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ اللَّبْسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى جِهَةِ التَّكْثِيرِ فَيُقَالُ اُقْعُدْ أَلْفَ سَنَةٍ أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا فَتَبَيَّنَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلتَّكْثِيرِ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْأَعْدَادِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِلتَّكْثِيرِ وَقَوَّاهُ قَوْلُ أَبِي حَيَّانَ لَا يَكَادُ يُوجَدُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عَدَدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute