للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمَّتُهُ قَطْعًا) أَيْ وَهُوَ أَعْظَمُ الْخَطَإِ وَإِيرَادُ صِدْقِ أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ بَعْدَ وُقُوعِ الرِّدَّةِ أَمَّا فِي حَالِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُمْكِنُ الْتِفَاتُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ سَابِقِهِ فَإِنَّ الِارْتِدَادَ عِلَّةُ خُرُوجِهِمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى خُرُوجِهِمْ صَدَقَ مَعَهُ لَفْظُ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ ظَاهِرُ دَلِيلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ السَّمْعِيَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَنَظَائِرُهُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ» لَكَانَ أَوْضَحَ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَائِمٍ بِالْحَقِّ وَيَسْتَحِيلُ مَعَهُ رِدَّةُ الْكُلِّ.

[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

(مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ) مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ (يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِ الْكُلِّ بِالثُّلُثِ إذَا قِيلَ بِهِ) أَيْ بِالثُّلُثِ (وَبِالنِّصْفِ وَالْكُلِّ وَلَيْسَ) هَذَا الظَّنُّ وَاقِعًا مَوْقِعَهُ (لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ) عَلَى الثُّلُثِ (جُزْءُ قَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ الثُّلُثِ فَقَطْ إذْ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ وُجُوبِ الثُّلُثِ (وَ) نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ (لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ لَا بُدَّ فِي نَفْيِهِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ أَبْدَى وُجُودَ مَانِعٍ مِنْ الزِّيَادَةِ كَالْكُفْرِ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ لَهَا كَالْإِسْلَامِ أَوْ عَدَمِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ بَلْ هِيَ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ.

[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

(مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ) كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ (يُكَفِّرُ) مُتَعَاطِيَهُ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَطَائِفَةٍ) ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ سَنَدٍ قَاطِعٍ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كُفْرٌ غَيْرَ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِمْ إذْ فِي الْمِيزَانِ فَأَمَّا إنْكَارُ مَا هُوَ ثَابِتٌ قَطْعًا مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ بِأَنْ عَلِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ انْتَهَى.

وَالتَّقْوِيمُ مُشِيرٌ إلَيْهِ أَيْضًا إذْ فِيهِ لَمْ نُبَالِ بِخِلَافِ الرَّوَافِضِ إيَّانَا فِي إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَبِخِلَافِ الْخَوَارِجِ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ، وَإِنْ كُنَّا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِلشُّبْهَةِ (وَطَائِفَةٌ لَا) تُكَفِّرُهُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ حُجِّيَّتِهِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَإِنْكَارُ حُكْمِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ كَإِنْكَارِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ دَلِيلَ حُجِّيَّتِهِ قَطْعِيٌّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَتِمُّ أَمْرُ هَذَا الْبِنَاءِ (وَيُعْطِي الْأَحْكَامُ) لِلْآمِدِيِّ (وَغَيْرِهِ) كَمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَقْوَالِ (هَذَيْنِ وَالتَّفْصِيلِ) وَهُوَ (مَا) كَانَ (مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ) أَيْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِلتَّشْكِيكِ كَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَخَوَاتِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ (يُكَفَّرُ) مُنْكِرُهُ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بِأَنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِعْطَاءِ السُّدُسِ لِلْجَدَّةِ وَحُرْمَةِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا (فَلَا) يُكَفَّرُ مُنْكَرُهُ.

(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُعْطَى (غَيْرُ وَاقِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ إنْكَارَ نَحْوِ الصَّلَاةِ لَا يُكَفَّرُ مُتَعَاطِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا (إذْ لَا مُسْلِمَ يَنْفِي كُفْرَ مُنْكِرِ نَحْوَ الصَّلَاةِ) فَلَيْسَ فِي الْوَاقِعِ إلَّا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا التَّكْفِيرُ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِمَا لَفْظُهُ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يُكَفَّرُ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يُكَفَّرُ وَالْقَوْلُ فِي التَّكْفِيرِ وَالتَّبَرِّي لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ مَنْ اعْتَرَفَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَقَرَّ بِصِدْقِ الْمُجْمِعِينَ فِي النَّقْلِ، ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَانَ هَذَا التَّكْذِيبُ آيِلًا إلَى الشَّارِعِ وَمَنْ كَذَّبَ الشَّارِعَ كَفَرَ، وَالْقَوْلُ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقًا فِي ثُبُوتِ الشَّرْعِ لَمْ يَكْفُرْ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِنْ الشَّرْعِ ثُمَّ جَحَدَهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلشَّرْعِ، وَإِنْكَارُ جُزْءٍ مِنْ الشَّرْعِ كَإِنْكَارِ كُلِّهِ ثَانِيهمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَعَلَّلَ إكْفَارَ مَنْ اعْتَقَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ خِلَافَ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَارَ بِخِلَافِهِ جَاحِدًا لِمَا قُطِعَ بِهِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ كَالْجَاحِدِ لِصِدْقِ الرَّسُولِ.

(وَإِذَا حُمِلَ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْخُصُوصِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>