وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فِيمَا فِي الْأَحْكَامِ وَمَا وَافَقَهُ لِيَنْدَفِعَ وُرُودُ هَذَا اللَّازِمِ الْبَاطِلِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِعَدَمِ صِحَّةِ تَقْسِيمِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ (لَمْ يَتَنَاوَلْهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بَلْ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ يُقَالُ وَلَيْسَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ لَهُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ (لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَئِذٍ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (مَا لَيْسَ) نَاشِئًا (إلَّا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَالْمَعْلُومُ بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ ظُهُورِ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ ظُهُورَ اشْتِرَاكٍ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي النِّهَايَةِ جَاحِدًا الْحُكْمَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لَا يُكَفَّرُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّ جَاحِدَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ لَا يُكَفَّرُ وِفَاقَا انْتَهَى.
وَجَعَلَ السُّبْكِيُّ لِمُنْكِرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: مُنْكِرُ إجْمَاعٍ ذِي شُهْرَةٍ فِيهِ نَصٌّ كَحِلِّ الْبَيْعِ فَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَافِرٌ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا رَيْبَ فِي كُفْرِهِ لِتَكْذِيبِهِ الصَّادِقَ، وَمُنْكِرُ إجْمَاعٍ ذِي شُهْرَةٍ لَا نَصَّ فِيهِ قِيلَ لَا يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَكْذِيبِ الصَّادِقِ إذْ الْفَرْضُ أَنْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْمُجْمِعِينَ وَالْأَصَحُّ يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَهُمْ يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ الصَّادِقِ، وَمُنْكِرُ إجْمَاعٍ لَيْسَ بِذِي شُهْرَةٍ وَالْأَصَحُّ لَا يُكَفَّرُ وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ جَاحِدًا لِخَفِيٍّ وَلَوْ مَنْصُوصًا وَمَثَّلَ بِاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِتَكْذِيبِهِ الْأُمَّةَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الْأُمَّةَ صَرِيحًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا فَهُوَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ انْتَهَى.
وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ الْمُنْكِرُ إذَا اعْتَرَفَ بِالْعِلْمِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالْقَطْعِيِّ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ نَصًّا كَعَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَمَعَ سُكُوتِ بَعْضِهِمْ) وَلَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ كَأَنَّهُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ بِهِ فَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُرَادُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى سَبِيلِ التَّيَقُّنِ انْتَهَى.
أَيْ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُرَادُ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى شَيْءٍ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ تَوَهُّمُ الْخَطَأِ وَقَيَّدَ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَطْعًا وَيَقِينًا بِسَبَبِ الْعَارِضِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِنَصِّ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْآخَرِينَ وَكَثُبُوتِ بُطْلَانِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَكَإِجْمَاعِ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ أَنْ يُوجِبَ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْآيَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ فَيُكَفَّرُ جَاحِدُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمًا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ كَجَاحِدِهِمَا لَا حُكْمَ كُلِّ إجْمَاعٍ لِيَتَنَاوَلَ إجْمَاعًا نَصَّ الْبَعْضُ عَلَى حُكْمِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ وَإِجْمَاعًا لِلْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ هَذَا أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ فَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مِثْلُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ مُجْتَهَدًا فِي السَّلَفِ كَانَ كَالصَّحِيحِ مِنْ الْآحَادِ انْتَهَى.
وَمُنْكِرُ خَبَرِ الْآحَادِ لَا يُكَفَّرُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي كَوْنِهِ مَقْطُوعًا بِهِ حَتَّى يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَهَذَا أَقْوَى مَا يَكُونُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَفِي الصَّحَابَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعِتْرَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ قَطْعًا فَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ كَمَا يُكَفَّرُ جَاحِدُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ انْتَهَى.
فَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ قَائِلًا بِإِكْفَارِ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُ إكْفَارِ مُنْكِرِهِ بَلْ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُبَدَّعُ مُنْكِرُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أَوْ الَّذِي لَمْ يَنْقَرِضْ أَهْلُ عَصْرِهِ أَوْ الْإِجْمَاعَاتُ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ فِي انْتِهَاضِهِ حُجَّةً (وَأَمَّا) مُنْكِرُ إجْمَاعِ (مَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (بِلَا سَبْقِ خِلَافٍ فَيُضَلَّلُ) وَيُخَطَّأُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute