مَجْعُولًا عِلَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ كَوْنُهُ صِفَةً لَهُ كَالْقَوْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَعْدُومَاتِ (لَا) أَنَّ الْعِلِّيَّةَ (جَعْلُهُ) أَيْ نَفْسِ جَعْلِ الشَّارِعِ ذَلِكَ عِلَّةً.
(وَقَوْلُهُمْ نَفَى كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةَ انْتِفَائِهَا) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَيَلْزَمُ انْتِفَاؤُهَا لِانْتِفَاءِ كُلِّ وَصْفٍ (وَيَلْزَمُ النَّقْضُ) لِلْعِلِّيَّةِ (بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ آخَرَ بَعْدَ انْتِفَاءِ جُزْءٍ أَوَّلٍ) لِأَنَّ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْوَصْفِ الْآخَرِ لَمْ يَنْتَفِ عَدَمُ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعِلِّيَّةَ عُدِمَتْ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْأَوَّلِ، وَتَجَدُّدُ عَدَمٍ عَلَى عَدَمٍ لَا يُتَصَوَّرُ (لِاسْتِحَالَةِ إعْدَامِ الْمَعْدُومِ) كَإِيجَادِ الْمَوْجُودِ فَيَلْزَمُ النَّقْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى انْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْآخَرِ أَيْضًا لِتَخَلُّفِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُودِ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ عَدَمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ قُلْت وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا كَابْنِ الْحَاجِبِ لِاسْتِبْعَادِ فَرْضِ عَدَمِ انْتِفَاءِ عِلِّيَّةِ الْمَجْمُوعِ بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ مَعَ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ بِانْتِفَائِهَا بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَلُزُومُ التَّنَاقُضِ لَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْجُزْءِ الثَّانِي ثَابِتَةً لِلْمَجْمُوعِ وَمُنْتَفِيَةً عَنْهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (إنَّمَا يَجِيءُ فِي) الْعِلَلِ (الْعَقْلِيَّةِ لَا الْمَوْضُوعَةِ) لِلشَّارِعِ (عَلَامَةً عِنْدَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ عَلَى الِانْتِفَاءِ) لِلْحُكْمِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ ارْتِفَاعُ جَمِيعِ الِانْتِفَاءَاتِ وَهُوَ نَفْسُ تَحَقُّقِ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَيَجِبُ تَرْكُ الْأَمَارَةِ فِي طَرَفِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مِنْ أَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ (إذْ حَاصِلُهُ تَعَدُّدُ أَمَارَاتٍ) عَلَى الْعَدَمِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ.
[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]
(مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ) لَهُ مِنْ الثُّبُوتِ كَعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ لِمَانِعِ الْأُبُوَّةِ (أَوْ) بِسَبَبِ (انْتِفَاءِ شَرْطٍ) لَهُ كَعَدَمِ وُجُوبِ رَجْمِ الزَّانِي لِانْتِفَاءِ إحْصَانِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ رَجْمِهِ (وُجُودُ مُقْتَضِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ (خِلَافًا لِلْبَعْضِ) أَيْ لِلْآمِدِيِّ بَلْ عَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ قَالَ الْأَوَّلُونَ وَإِنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ (لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ وُجُودِ الْمَانِعِ وَانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَعَدَمِ الْمُقْتَضَى) عَلَى حِيَالِهِ (عِلَّةُ عَدَمِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فَجَازَ إسْنَادُهُ) أَيْ عَدَمُهُ (إلَى كُلٍّ) مِنْهَا (بِمَعْنَى لَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مُقْتَضًى مَنَعَهُ) أَيْ الْمَانِعُ حُكْمَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا بَلْ أُرِيدَ بِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَانِعُ حَقِيقَةً (فَحَقِيقَةُ الْمَانِعِيَّةِ) إنَّمَا هِيَ (بِالْفِعْلِ وَهُوَ) أَيْ وُجُودُ الْمَانِعِ بِالْفِعْلِ (فَرْعُ) وُجُودِ (الْمُقْتَضَى فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ) الْحُكْمُ (لِعَدَمِ وُجُودِهِ) أَيْ الْمُقْتَضَى (فَيَمْنَعُ) الْمَانِعُ (مَاذَا؟ وَاذْكُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي فَكِّ الدُّورِ لَهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَقْضِ الْعِلَّةِ (فِي مَسْأَلَةِ النَّقْضِ) لَهَا فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ هَذَا فَاسْتَذْكِرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ ثُمَّ بَعْدَ كَوْنِ الْمُرَادِ مَا ذُكِرَ فَفِي الْمَحْصُولِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضَى أَظْهَرُ فِي الْعَقْلِ مِنْ انْتِفَائِهِ لِحُضُورِ الْمَانِعِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَى هَذَا فَمُدَّعَى الْأَوَّلِ أَرْجَحُ مِنْ مُدَّعَى الثَّانِي.
(الْمَرْصَدُ الثَّالِثُ) فِي طُرُقِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ الْجَامِعِ عِلَّةَ حُكْمٍ خَبَرِيٍّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَنْ لَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَهُ مَسَالِكُ صَحِيحَةٌ وَأُخْرَى يُتَوَهَّمُ صِحَّتُهَا فَيَنْبَغِي التَّعَرُّضُ لَهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَنَقُولُ (طُرُقُ إثْبَاتِهَا) أَيْ الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ شَرْعًا هِيَ (مَسَالِكُ الْعِلَّةِ) وَهِيَ (مُتَّفِقَةٌ تَقَدَّمَ مِنْهَا الْمُنَاسَبَةُ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ) لِلشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ الْإِخَالَةُ وَلِلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ التَّأْثِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِيهِ فَعِنْدَهُمْ كَوْنُ الْوَصْفِ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ الْمُنَاسَبَةِ هُنَا عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا سِوَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُؤَثِّرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالْخِلَافُ فِي الْإِخَالَةِ) فِي كَوْنِهَا طَرِيقًا مُثْبِتًا لِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ الْوَصْفُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُنَاسَبَةُ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بِاصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ.
(وَ) الْمَسْلَكُ (الثَّانِي الْإِجْمَاعُ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً وَالظَّنُّ كَافٍ فِيهِ (فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْفَرْعِ) كَمَا فِي الْأَصْلِ (إلَّا إنْ كَانَ ثُبُوتُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (أَوْ طَرِيقُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (ظَنِّيًّا) كَالثَّابِتِ بِالْآحَادِ (أَوْ ذَاتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ظَنِّيًّا (كَالسُّكُوتِيِّ) أَيْ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي أَنَّهُ ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ مُطْلَقًا أَوْ إذَا كَثُرَ وَتَكَرَّرَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي مَبَاحِثِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ يَدَّعِي فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (مُعَارِضٌ) أَوْ يَدَّعِي الْمُخَالِفُ اخْتِصَاصَ عِلِّيَّتِهِ بِالْأَصْلِ أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ أَوْ يَدَّعِي تَخْصِيصَهَا فِي فَرْعِ الْمَانِعِ وَالْخَصْمُ يَمْنَعُ وُجُودَ الْمَانِعِ فَيُسَوِّغُ الِاخْتِلَافَ مَعَهَا فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ ثُمَّ مِثْلُ مَا هُوَ عِلَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute