بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي حُكْمِهَا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِقَوْلِهِ (كَالصِّغَرِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ) فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ مِنْ عِلَلِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ.
(وَ) الْمَسْلَكُ (الثَّالِثُ النَّصُّ) وَهُوَ (صَرِيحٌ لِلْوَضْعِ) أَيْ مَا دَلَّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِالْوَضْعِ وَهُوَ (مَرَاتِبُ كَعِلَّةِ) كَذَا أَوْ بِسَبَبِ كَذَا (أَوْ لِأَجْلِ كَذَا) كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ» أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ» (أَوْ كَيْ) مُجَرَّدَةً عَنْ حَرْفِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} [طه: ٤٠] أَوْ مُتَّصِلَةً بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ لِأَجْلِ وَكَيْ دُونَ مَا قَبْلَهُمَا فِي الصَّرَاحَةِ (أَوْ إذَنْ) فَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ «قُلْت أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَنْ تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك» فَهَذَا الْقِسْمُ أَقْوَاهَا لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ غَيْرَ الْعِلَّةِ (وَدُونَهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (مَا) يَكُونُ (بِحَرْفٍ ظَاهِرٍ فِيهِ) أَيْ فِي التَّعْلِيلِ.
(كَذَلِكَ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: ١] (أَوْ بِهِ) أَيْ بِكَذَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧] (أَوْ إنْ شَرْطًا أَوْ) إنْ (النَّاصِبَةَ) نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: ٥] بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَبِفَتْحِهَا كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ (أَوْ) إنَّ (الْمَكْسُورَةَ الْمُشَدَّدَةَ بَعْدَ جُمْلَةٍ وَالْمَفْتُوحَةَ) كَإِنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ وَإِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فِي التَّلْبِيَةِ فَإِنَّ فِي " إنَّ فِيهِمَا الْوَجْهَيْنِ " إذْ هَذِهِ الْحُرُوفُ قَدْ تَجِيءُ لِغَيْرِ الْعِلَّةِ فَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} [هود: ٤٨] وَإِنْ لِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ مِنْ غَيْرٍ وَسَبَبِيَّةٍ وَتَرَتُّبِ أَمْرٍ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وَأَنْ لِمُجَرَّدِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ وَإِنَّ وَأَنَّ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَأَنْكَرَ السُّبْكِيُّ كَوْنَ إنْ بِالْكَسْرِ تَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ قَالَ وَإِنَّمَا تَرِدُ لِلشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَالزِّيَادَةِ وَإِنْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ فِي الشَّرْطِيَّةِ فَهُوَ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ لَا مِنْ الْحَرْفِ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْعِلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدْخُلُ غَالِبًا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَاهُ فَعِنْدَهُ تَتِمُّ الْعِلَّةُ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِتَثْقِيلِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مِنْ الْحُرُوفِ الظَّاهِرَةِ لِلتَّعْلِيلِ مِثْلُ مَا وَرَدَ فِي الْأَدْعِيَةِ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ الْفَتْحَ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ وَالْكَسْرَ لِأَنَّهَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ عَنْ الْعِلَّةِ انْتَهَى قُلْت وَالْأَوَّلُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَاعْتِرَافٌ بِكَوْنِهَا لِلْعِلَّةِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ (وَدُونَهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (الْفَاءُ فِي الْوَصْفِ) الصَّالِحِ عِلَّةً لِحُكْمٍ تَقَدَّمَهُ مِثْلُ مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنَا لَا أَحْفَظُ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِوَايَةٍ وَيُؤَدِّي الْغَرَضَ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ يُسَمَّى بِعَبْدِ رَبٍّ انْتَهَى وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ وَعَبْدُ رَبٍّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ رَاوِي حَدِيثِ الْأَعْمَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ وَلِجَابِرٍ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَقِيلٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَمُحَمَّدٌ وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَحَدِيثُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد (أَوْ) فِي (الْحُكْمِ) الْوَاقِعِ بَعْدَ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْفَاءُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ (لِلتَّعْقِيبِ) وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى الْبَاعِثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ عَقْلًا أَوْ تَرَتُّبُ الْبَاعِثِ عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ فِي الْوُجُودِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْبَاعِثُ مُقَدَّمٌ عَقْلًا) عَلَى الْحُكْمِ (مُتَأَخِّرٌ خَارِجًا) عَنْهُ (فَلَوْ خَطَأَ) أَيْ التَّقَدُّمُ الْعَقْلِيُّ وَالتَّأَخُّرُ الْخَارِجِيُّ (فِيهَا) أَيْ فِي الْفَاءِ أَيْ فِي دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ وَعَلَى الْحُكْمِ.
(وَإِذًا فَلَا دَلَالَةَ لَهَا) وَضْعِيَّةً (عَلَى عِلِّيَّةِ مَا بَعْدَهَا) لِمَا قَبْلَهَا (أَوْ) عَلَى (حُكْمِيَّتِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute