الْجَرْحِ (الْمُبْهَمِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ عَدَّلَ وَإِلَّا فَالتَّوَقُّفُ لِجَهَالَةِ حَالِهِ ثَابِتٌ وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفِينَ عُرِفَ مِنْهُمْ صِحَّةُ الرَّأْيِ فِي الْأَسْبَابِ) الْجَارِحَةِ فَأَوْجَبَ جَرْحُهُمْ الْمُبْهَمُ التَّوَقُّفَ عَنْ الْعَمَلِ بِالْمَجْرُوحِ (حَتَّى لَوْ عَرَفَ) الْجَارِحُ مِنْهُمْ (بِخِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ الرَّأْيِ الصَّحِيحِ فِي الْأَسْبَابِ الْجَارِحَةِ (لَا يُقْبَلُ) جَرْحُهُ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) فِي قَبُولِ ذَلِكَ الْمَجْرُوحِ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]
(مَسْأَلَةٌ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ) فَلَا يُبْحَثُ عَنْهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا شَهَادَةٍ (وَقِيلَ) هُمْ (كَغَيْرِهِمْ) فِيهِمْ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ (فَيُسْتَعْلَمُ التَّعْدِيلُ بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ التَّزْكِيَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مَنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِعَدَالَتِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ ظَاهِرِهَا (وَقِيلَ) هُمْ (عُدُولٌ إلَى الدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ) فِي آخِرِ عَهْدِ عُثْمَانَ كَمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَقِيلَ مِنْ حِينِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَقَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ مَا بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الدَّاخِلِ فِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ أَيْضًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ بِسَبَبِ قَتْلِ عُثْمَانَ (فَتُطْلَبُ التَّزْكِيَةُ) لَهُمْ مِنْ وَقْتَئِذٍ (فَإِنَّ الْفَاسِقَ مِنْ الدَّاخِلِينَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (هَذَا الْمَذْهَبَ بِأَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ إلَى ظُهُورِهَا فَلَا يُقْبَلُ الدَّاخِلُونَ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (لِجَهَالَةِ عَدَالَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجُونَ) مِنْهَا (كَغَيْرِهِمْ) يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إلَى ظُهُورِهَا أَمْرَيْنِ عَدَمُ قَبُولِهِمْ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَعَدَمِ الْقَبُولِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهَا) أَيْ عَدَالَتِهِمْ (بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ) أَيْ الْبَحْثُ عَنْهَا بَعْدَهُ (مَنْقُولٌ) عَنْ بَعْضِهِمْ (فَفَاسِدُ التَّرْكِيبِ) إذْ حَاصِلُهُ: هُمْ كَغَيْرِهِمْ إلَى ظُهُورِهَا فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ (وَحَاصِلُهُ الْمَذْهَبُ الثَّانِي وَلَيْسَ ثَالِثًا) إذْ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ مُطْلَقًا وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ
(وَإِنْ أَرَادَ لَا يُقْبَلُ بِوَجْهٍ فَشِقُّهُ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: فَهُمْ (عُدُولٌ) إلَى: ظُهُورِهَا فَلَا يُقْبَلُونَ لِأَنَّهُمْ (كَغَيْرِهِمْ) ثُمَّ لَا قَائِلَ بِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُونَ أَصْلًا (وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عُدُولٌ إلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] الْآيَةَ مَدَحَهُمْ تَعَالَى فَدَلَّ عَلَى فَضْلِهِمْ «وَلَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نُصَيْفَهُ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْأَدِلَّةِ وَأَوْضَحِهَا عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِمْ (وَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُمْ مِنْ مُدَاوَمَةِ الِامْتِثَالِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبَذْلِهِمْ الْأَمْوَالَ وَالْأَنْفُسَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْعَدَالَةِ (وَدُخُولِهِمْ فِي الْفِتَنِ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ اجْتَهَدُوا فِيهَا فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ إلَى مَا ارْتَكَبَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا وَلَا تَفْسِيقَ بِوَاجِبٍ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَى إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ نَعَمْ حِكَايَتُهُ إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْدِيلِ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ حَسَنٌ.
وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ أَنَّا نَقْطَعُ بِعَدَالَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى هَذَيَانِ الْهَاذِينَ وَزَيْغِ الْمُبْطِلِينَ وَقَدْ سَلَفَ اكْتِفَاؤُنَا فِي الْعَدَالَةِ بِتَزْكِيَةِ الْوَاحِدِ مِنَّا فَكَيْفَ بِمَنْ زَكَّاهُمْ عَلَّامُ الْغُيُوبِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي عَصَمَهُ اللَّهُ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَمْرَهُمْ فِيمَا جَرَى بَيْنَهُمْ إلَى رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَلَا وَنَبْرَأُ إلَى الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ مِمَّنْ يَطْعَنُ فِيهِمْ وَنَعْتَقِدُ أَنَّ الطَّاعِنَ عَلَى ضَلَالٍ مُهِينٍ وَخُسْرَانٍ مُبِينٍ مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقَّ كَانَ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَحَمَى اللَّهُ الصَّحَابَةَ مِنْ مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ فَالْمُتَوَلِّي قَتْلَهُ كَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا ثُمَّ لَا نَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الرِّضَا بِقَتْلِهِ إنَّمَا الْمَحْفُوظُ الثَّابِتُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْأَخْذِ بِالثَّأْرِ اجْتِهَادِيَّةً رَأَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ التَّأْخِيرَ مَصْلَحَةً وَرَأَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْبِدَارَ مَصْلَحَةً وَكُلٌّ جَرَى عَلَى وَفْقِ اجْتِهَادِهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ كَانَ الْإِمَامُ الْحَقُّ بَعْدَ ذِي النُّورَيْنِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَأَوِّلًا هُوَ وَجَمَاعَتُهُ وَمِنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute