للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَّا لَكَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا بِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَالْمُجْتَهِدُ فَاسِقًا بِعَمَلِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ فِيهِمَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ عَدْلًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَحُكْمُهُ بِشَهَادَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ عَدْلًا فَعَمَلُهُ بِرِوَايَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ تَعْدِيلًا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي الْعَمَلِ سِوَى رِوَايَتِهِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَمَلَهُ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ) شَيْءٌ (سِوَى كَوْنُهُ) أَيْ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ (عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ مَا رَوَاهُ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ وَبَقِيَ هَلْ رِوَايَةُ الْعَدْلِ الْحَدِيثَ عَنْ الرَّاوِي تَعْدِيلٌ لَهُ قِيلَ نَعَمْ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا إنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ فَتَعْدِيلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتَوَقَّفَ فِيهَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرِّوَايَةِ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ عَلَى السَّامِعِ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ الْغَايَةُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْته يَقُولُ فَعَلَى السَّامِعِ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ بِرِوَايَتِهِ وَإِلَّا فَالتَّقْصِيرُ مِنْ قِبَلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ]

(تَنْبِيهٌ حَدِيثُ) الرَّاوِي (الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ) لِعَدَمِ تَأْثِيرِ مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَلِغَيْرِهِ) أَيْ وَحَدِيثُ الضَّعِيفِ لِغَيْرِ الْفِسْقِ كَسُوءِ الْحِفْظِ مَعَ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ (يَرْتَقِي) بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَصَحُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ (إلَى الْمَوْضُوعِ فَلَا) يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (أَوْ خِلَافُهُ) أَيْ الْمَوْضُوعِ (فَنَعَمْ) أَيْ يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (لِوُجُوبِ الرَّدِّ لِلْفِسْقِ وَبِالتَّعَدُّدِ) لِطُرُقِهِ (لَا يَرْتَفِعُ) الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ بِفِسْقِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الرَّدِّ (لِسُوءِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ) أَيْ رَدَّهُ (لِوَهْمِ الْغَلَطِ وَالتَّعَدُّدِ يُرَجَّحُ أَنَّهُ) أَيْ الرَّاوِيَ السَّيِّئُ الْحِفْظِ (أَجَادَ فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَرْوِيِّ (فَيَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَأَمَّا) الطَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ (بِالْجَهَالَةِ) لِرَاوِيهِ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ بِحَدِيثَيْنِ (فَبِعَمَلِ السَّلَفِ) بِهِ يَزُولُ الطَّعْنُ فِيهِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِهِ إمَّا لِعِلْمِهِمْ بِعَدَالَةِ الرَّاوِي وَحُسْنِ ضَبْطِهِ أَوْ لِمُوَافَقَتِهِ سَمَاعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ سَامِعٍ مِنْهُ ذَلِكَ مَشْهُورٌ لِانْتِفَاءِ اتِّهَامِهِمْ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَعَ مَا لَهُمْ مِنْ الرُّتْبَةِ الْعَالِيَةِ فِي الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى (وَسُكُوتُهُمْ) أَيْ السَّلَفِ (عِنْدَ اشْتِهَارِ رِوَايَتِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَاوِيهِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ (كَعَمَلِهِمْ) بِهِ (إذْ لَا يَسْكُنُونَ عَنْ مُنْكَرٍ) يَسْتَطِيعُونَ إنْكَارَهُ وَالْفَرْضُ ثُبُوتُ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ.

(فَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ الْحَدِيثَ (بَعْضٌ) مِنْهُمْ (وَرَدَّهُ آخَرُ) مِنْهُمْ (فَكَثِيرٌ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى الرَّدِّ وَالْحَنَفِيَّةِ يُقْبَلُ وَلَيْسَ) قَبُولُهُ (مِنْ تَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ لِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ) بِالْحَدِيثِ (لَيْسَ جُرْحًا) فِي رَاوِيهِ (كَمَا سَنَذْكُرُ فَهُوَ) أَيْ قَبُولُ الْبَعْضُ لَهُ (تَوْثِيقٌ) لِلرَّاوِي (بِلَا مُعَارِضٍ وَمَثَّلُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ مَا قَبِلَهُ بَعْضُهُمْ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ (بِحَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى لِبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ» قَبِلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَرَدَّهُ عَلِيٌّ) فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْت فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقَيْنِ بِسِيَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا مُخْتَصَرٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدِ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ إلَخْ وَثَانِيهِمَا نَحْوَ هَذَا وَفِيهِ فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَابْنُ سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>