للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَالْغَرِيبُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ فَلَا تَحَكُّمَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَانَ السَّبَبُ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ وَإِلَّا مَظِنَّتُهُ وَأَيًّا مَا كَانَ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا انْتَفَى الْقِيَاسُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ لِتَأَتِّي هَذَا بِعَيْنِهِ فِيهِ لَكِنْ انْتِفَاؤُهَا فِيهِ مَمْنُوعٌ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

{مَسْأَلَةٌ} قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (الْحُدُودُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَقْدِيرَاتٍ لَا تُعْقَلُ) كَعَدَدِ الْمِائَةِ فِي الزِّنَا وَالثَّمَانِينَ فِي الْقَذْفِ وَالْقِيَاسُ فَرْعُ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى (وَمَا يُعْقَلُ) مِنْهَا (كَالْقَطْعِ) لِيَدِ السَّارِقِ لِكَوْنِهَا الْجَانِيَةَ بِالسَّرِقَةِ (فَلِلشُّبْهَةِ) فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ «وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ» كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَدَرْؤُهَا فِي عَدَمِ ثُبُوتِهَا بِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ بِهِ (قَالُوا أَدِلَّةُ الْقِيَاسِ) الدَّالَّةُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ (مُعَمِّمَةٌ) لَهَا كَمَا لِغَيْرِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِمَا (قُلْنَا) عُمُومُهَا (فِي مُسْتَكْمِلِ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا) وَالْحُدُودُ لَيْسَتْ بِمُسْتَكْمِلَةٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَانْتِهَاضُ أَثَرِ عَلِيٍّ) السَّالِفِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيزُونَ (مَوْقُوفٌ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى صِحَّةِ طَرِيقِهِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَذْفِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِهِ بَلْ (أَنَّهُ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ (عَلَى حُكْمِهِ) الَّذِي هُوَ وُجُوبُ جَلْدِ ثَمَانِينَ (بِاجْتِمَاعِ دَلَالَاتٍ سَمْعِيَّةٍ عَلَيْهِ) أَيْ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ (كَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْفِقْهِ) أَيْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ نَذْكُرْهَا هُنَا تَحَامِيًا مِنْ التَّطْوِيلِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفُرُوعِ بِهَا أَلْيَقُ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى إثْبَاتِ حَدِّ الْخَمْرِ قِيَاسًا فَهَذَا إبْطَالٌ لِأَصْلِكُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ قِيَاسًا قِيلَ الَّذِي نَمْنَعُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ إيجَابُ حَدٍّ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِي شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَيُتَحَرَّى فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيفِ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَاسْتِعْمَالُ اجْتِهَادِ السَّلَفِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ضَرَبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّ رَجُلٍ بِنَعْلِهِ ضَرْبَتَيْنِ فَتَحَرَّوْا فِي اجْتِهَادِهِمْ مُوَافَقَةَ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلُوهُ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلُوا ضَرْبَهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ إلَى السَّوْطِ كَمَا يَجْتَهِدُ الْجَلَّادُ فِي الضَّرْبِ وَكَمَا يَخْتَارُ السَّوْطَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْجِلْدِ اجْتِهَادًا

[تَنْبِيهٌ] الْكَفَّارَاتُ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ بَلْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

(مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ) لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (لِيَحْكُمَ فِي مَحَالِّهِ) أَيْ الْمَنَاطِ (بِحُكْمِهِ جَائِزٌ عَقْلًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ التَّكْلِيفُ أَوْ التَّعَبُّدُ (بِالْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (الْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حِكْمَةٍ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَعَبُّدَ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي أَوَائِلِ الْقِيَاسِ (وَإِيجَابُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْقِيَاسِ) أَيْ جَعْلُ هَذَا مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فِيهِ قُصُورٌ عَنْ الْمَقْصُودِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا إذَا تَمَّ الْقِيَاسُ فَاعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ اُنْظُرْ لِيَظْهَرَ لَك فِي الْوَاقِعِ قِيَاسٌ أَوْ لَا وَهَذَا مَحَلٌّ آخَرُ لِلْوُجُوبِ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْ اسْتِكْشَافِ الْحَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُوَ الْعَمَلُ بِهِ (لَا) أَنَّ تَكْلِيفَهُ بِذَلِكَ (وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَالْقَفَّالِ) الشَّاشِيِّ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُلُوُّ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالنُّصُوصَ مَحْصُورَةٌ وَالْقِيَاسَ كَافِلٌ بِهَا فَاقْتَضَى التَّعَبُّدَ بِهِ وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْوَاقِعَةِ عَنْ الْحُكْمِ مَنَعَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّعَبُّدِ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلُزُومُ خُلُوِّ وَقَائِعَ) عَنْ الْحُكْمِ (لَوْلَاهُ) أَيْ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ (مُنْتَفٍ لِانْضِبَاطِ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ وَالْأَفْعَالِ وَإِمْكَانِ إفَادَتِهَا) أَيْ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>