للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنَاقِضٌ نَفْسَهُ فِي الْمَنْعِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي هَذَا) أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ لِحُكْمٍ بِنَاءً عَلَى مَعْنًى صَالِحٍ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَوْ مُلَائِمًا وَوُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ أَوْ الْمُلَائِمُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَقَدْ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِمَا هُوَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَاحِدًا لَهُ تَعَدُّدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ (بَلْ) الْخِلَافُ (فِيمَا إذَا كَانَتْ) عِلِّيَّةُ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ (لِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ فَجَعَلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لِيَحْصُلَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (مَحَلٌّ آخَرُ) تَحَقَّقَتْ فِيهِ عِلِّيَّتُهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ (لِأَنَّا إنَّمَا نُثْبِتُ سَبَبِيَّةَ) وَصْفٍ (آخَرَ) غَيْرِ الْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ إذْ الْمَفْرُوضُ تَغَايُرُ الْوَصْفَيْنِ (فَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ إثْبَاتُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ بِاعْتِبَارِهِ أَصْلٌ (إلَّا الْمُرْسَلُ) فَيَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّأْثِيرَ أَوْ الْمُلَائَمَةَ (وَهَذَا عَلَى) قَوْلِ (الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (بِعَيْنِهِ لِآخَرَ) فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ (فَيَنْبَغِي كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلِ (الْقَرِيبَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ) مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ (لِوُجُودِ أَصْلِهِ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّقَابُضِ وَهُوَ الصَّرْفُ (إذَا كَانَتْ سَبَبِيَّتُهُ) أَيْ أَصْلُهُ (لِشَيْءٍ) وَهُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (ثَابِتَةً شَرْعًا) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدًا بِيَدٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَهُوَ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ لَكِنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ وَ) هَذَا هُوَ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَدَّمَ (كَانَ الظَّاهِرُ اتِّفَاقَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ هَذَا (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِخَالَةِ إنْ لَمْ يَكُنْهَا) أَيْ الْإِخَالَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هِيَ فِي الْمَعْنَى (لَكِنَّ الْخِلَافَ) فِي هَذَا ثَابِتٌ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الْإِرْسَالِ) فِي ثُبُوتِ السَّبَبِيَّةِ بِالْقِيَاسِ (لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ) أَيْ ثُبُوتُهَا بِهِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْوَصْفَ الْأَصْلُ أَنْ تَثْبُتَ عِلِّيَّتُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِهَا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ (فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُنَاسَبَةُ فِي) وَصْفٍ (آخَرَ كَانَ) الْوَصْفُ الْآخَرُ (عِلَّةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِالْإِلْحَاقِ بِالْأَوَّلِ لِاسْتِقْلَالِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (بِإِثْبَاتِ) عِلِّيَّةِ (مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ وَإِنْ ثَبَتَتْ) عِلِّيَّتُهُ (بِالنَّصِّ ثُمَّ عَقَلَتْ مُنَاسَبَتُهَا) لِلْحُكْمِ (وَوُجِدَتْ) الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ (فِي مَا) أَيْ وَصْفٍ (لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ) أَيْضًا (فَكَذَلِكَ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عِلَّةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ (لِلِاسْتِقْلَالِ) أَيْ اسْتِقْلَالِ الْمُنَاسَبَةِ بِإِثْبَاتِ عِلِّيَّةِ مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْحَالُ هَذَا (ثُبُوتُ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِالنَّصِّ وَ) عِلِّيَّةِ وَصْفٍ (آخَرَ بِالْمُنَاسَبَةِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِهِ خِلَافٌ (فَالْوَجْهُ أَنْ يُقْصَرَ الْخِلَافُ عَلَى مِثْلِ حَمْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ) أَيْ حَمْلُهُ أَيْ قِيَاسُهُ (أَنْ يَنُصَّ عَلَى عِلَّةٍ مُنْضَبِطَةٍ بِنَفْسِهَا فَيَلْحَقُ بِهَا مَا تَصْلُحُ مَظِنَّةً لَهَا فَيَثْبُتُ مَعَهَا حُكْمُ الْمَنْصُوصَةِ كَمَا أَلْحَقَ) عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الشُّرْبَ) لِلْخَمْرِ (بِالْقَذْفِ) فِي الْحَدِّ بِهِ ثَمَانِينَ (بِجَامِعِ الِافْتِرَاءِ) بَيْنَهُمَا (لِكَوْنِهِ) أَيْ شُرْبِهَا (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الِافْتِرَاءَ وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا مَخْرَجًا فِي مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ قُلْت ثَمَّ قَدْ يُقَالُ وَإِذَا قَصُرَ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا هَلْ يَتَرَجَّحُ الْمُلْحَقُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيِّ عَلَى الْإِلْحَاقِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَابُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ يَرَى الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حَجَّةً، نَعَمْ وَعِنْدَهُمْ لَا كَمَا سَتَعْلَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَلَكِنْ الشَّأْنُ فِي مُوجِبِ الْقَصْرِ عَلَيْهِ مَعَ نَقْلِ عُمُومِ الْخِلَافِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ هَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ إعْرَاضٌ عَمَّا أَفَادَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَيَنْدَفِعُ وَجْهُهُ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّحَكُّمِ لَوْلَا جَوَازُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>