للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَالِقٌ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ يَحْنَثُ فَضْلًا عَنْ اشْتِرَاطِ الْغِنَى فَإِذَا الشَّرْطُ شِرَاءُ عَبْدٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الِاجْتِمَاعِ وَقَدْ حَصَلَ يُوَضِّحُهُ مَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَكَانَ إمَامًا بِبَلْخٍ وَلَهُ بَوَّابٌ يُقَالُ لَهُ إِسْحَاقُ فَكَانَ إذَا أَرَادَ تَفْهِيمَ أَصْحَابِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَعَاهُ وَقَالَ: هَلْ اشْتَرَيْت بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ بِأُلُوفٍ ثُمَّ يَقُولُ هَلْ مَلَكْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُهَا قَطُّ ثُمَّ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: كَمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ مُتَفَرِّقَةً وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُنْكَرًا كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ لِعَبْدٍ: إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْتِقُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الْمُنْكَرِ دُونَ الْمُعِينِ إذْ فِي الْمُعَيَّنِ قَصْدُهُ نَفْيُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَحَلِّ وَقَدْ ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّفَرُّقَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَالصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ ثُمَّ هَذَا إنْ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ اشْتَرَاهُ جُمْلَةً لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجِدَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا مِلْكَ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَحْنَثُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أَيْضًا بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ حَتَّى يَنُوبَ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَيَعْتِقُ لِوُجُودِ الشِّرَاءِ وَتَمَلَّكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِعِتْقِ النِّصْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَاشٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ ثُمَّ تَجِبُ السِّعَايَةُ أَوْ الضَّمَانُ لِلِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(وَالسَّبَبُ) الْمَحْضُ (لَا يَقْصِدُ) حُصُولَ الْمُسَبَّبِ (بِوَضْعِهِ) يَعْنِي لَمْ يُوضَعْ لِحُصُولِهِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ) الْمُسَبَّبُ (عَنْ الْمَقْصُودِ) بِالسَّبَبِ اتِّفَاقًا (كَزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُوضَعْ) الْعِتْقُ (لَهُ) أَيْ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ (بَلْ يَسْتَتْبِعُهُ) أَيْ بَلْ يَتْبَعُ زَوَالُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ (مَا هُوَ) أَيْ السَّبَبُ الَّذِي الْعِتْقُ مَوْضُوعٌ (لَهُ) وَهُوَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (فَيُسْتَعَارُ) السَّبَبُ (لِلْمُسَبَّبِ لِافْتِقَارِهِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (عَلَى الْبَدَلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ (وَمِنْ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ) وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ افْتِقَارِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ لِقِيَامِهِ بِهِ (فَصَحَّ الْعِتْقُ) مَجَازًا (لِلطَّلَاقِ) حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ بِهِ وَقَعَ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لَهُ بَلْ لِحَقِيقَةِ الْوَصْفِ بِالْحُرِّيَّةِ (وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) مَجَازًا (لِلنِّكَاحِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ مُفْضٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ (وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ هَذَا) التَّجَوُّزَ بِهِمَا عَنْهُ (لِانْتِفَاءِ) الْعَلَاقَةِ (الْمَعْنَوِيَّةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا (لَا يَنْفِي غَيْرَهَا) وَهُوَ السَّبَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْعَلَاقَةِ الصُّورِيَّةِ وَبِهَا كِفَايَةٌ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ وَلَا يَتَجَوَّزُ بِالْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ (فَصَحَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ) مَجَازًا (لِلْعِتْقِ لِشُمُولِ الْإِسْقَاطِ) فِيهِمَا لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِزَالَتَهُ وَفِي الطَّلَاقِ إسْقَاطَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَإِزَالَتَهُ وَالِاتِّصَالُ الْمَعْنَوِيُّ عَلَاقَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِلْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْحَنَفِيَّةُ تَمْنَعُهُ) أَيْ التَّجَوُّزُ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْعِتْقِ (وَالْمُجَوِّزُ) لِلتَّجَوُّزِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمُتَجَوِّزِ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِي الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُتَجَوِّزِ (الْمَشْهُورُ الْمُعْتَبَرُ) أَيْ الثَّابِتُ اعْتِبَارُهُ عَنْ الْوَاضِعِ نَوْعًا بِاسْتِعْمَالِهِ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمُشْتَرَكِ الْمَذْكُورِ أَوْ نَقْلِ اعْتِبَارِهِ عَنْهُ (وَلَمْ يَثْبُتْ) هَذَا بِالتَّجَوُّزِ (بِالْفَرْعِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْأَصْلِ أَيْ السَّبَبِ (بَلْ) ثَبَتَ هَذَا فِي التَّجَوُّزِ (بِالْأَصْلِ) عَنْ الْفَرْعِ (إذْ لَمْ يُجِيزُوا الْمَطَرَ لِلسَّمَاءِ بِخِلَافِ قَلْبِهِ) أَيْ وَأَجَازُوا السَّمَاءَ لِلْمَطَرِ فَنُقِلَ عَنْهُمْ مَا زِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ أَيْ الْمَطَرَ (مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا) أَيْ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ (فِي) الِاتِّصَالِ (الصُّورِيِّ) فَوَجَبَ مُرَاعَاةُ طَرِيقِهِمْ (فَلَا يَصِحُّ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ لِلْعِتْقِ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمَزِيدُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا (إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ) الْمُسَبَّبُ (بِالسَّبَبِ) بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ الْمُسَبَّبُ بِدُونِهِ (فَكَالْمَعْلُولِ) أَيْ فَيَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِأَنَّهُمَا يَصِيرَانِ فِي مَعْنَاهُمَا كَالنَّبْتِ لِلْغَيْثِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بَحْثٍ.

[مَسْأَلَة الْمَجَازِ خُلْفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ]

(مَسْأَلَةُ الْمَجَازِ خُلْفٌ) عَنْ الْحَقِيقَةِ (اتِّفَاقًا) أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ (فَأَبُو حَنِيفَةَ) خُلْفٌ عَنْهَا (فِي التَّكَلُّمِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>