(كَالْخِطَابِ بِالْمُهْمَلِ) فَيَلْزَمُ جَوَازَ الْخِطَابِ بِهِ وَجَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِفَادَةِ فِي الْحَالِ وَالْإِفَادَةِ عِنْدَ الْبَيَانِ وَاللَّازِمُ بَاطِلُ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (مُهْمَلٌ) إذْ فِي الْمُجْمَلِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ أَوْ مَعْنًى مَا فَيُطِيعُ أَوْ يَعْصِي بِالْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ إذْ بَيْنَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْمُهْمَلِ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ أَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى أَصْلًا.
(وَمَا قِيلَ:) أَيْ وَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ (جَوَازُ تَأْخِيرِ إسْمَاعِ الْمُخَصَّصِ) لِلْعَامِّ الْمُكَلَّفِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْعُمُومِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (أَوْلَى) بِالْجَوَازِ (مِنْ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ) إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (لِأَنَّ عَدَمَ الْإِسْمَاعِ) أَيْ إسْمَاعِ الْمُكَلَّفِ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ مَعَ وُجُودِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (أَسْهَلُ مِنْ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُخَصِّصِ الْمَذْكُورِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَيَانِ الْمُجْمَلِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا إلْزَامِيًّا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمُجِيزِينَ لِتَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ دُونَ تَرَاخِي التَّخْصِيصِ فَيُقَالُ: إذَا جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ بِمُوَافَقَتِكُمْ فَيَلْزَمُكُمْ جَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِأَوْلَى، ثُمَّ مَا قِيلَ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ غَيْرُ مُجْمَلٍ فَلَا يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِ) قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مُخَصِّصٍ بِهِ (فَقَدْ يُعْمَلُ بِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ عُمُومَهُ مُرَادٌ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ عُمُومَهُ (غَيْرُ مُرَادٍ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ) فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ (فَلَا يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ بَيَانِهِ مَحْذُورًا) وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ (فِي الْمُخَصِّصِ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ كَمَا بَيَّنَّا.
(ثُمَّ تَمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ) أَيْ كَوْنَ تَأْخِيرِ إسْمَاعِ الْمُخَصَّصِ بِالْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ (بَلْ كُلٌّ مِنْ الْعَامِّ وَالْمُجْمَلِ أُرِيدَ بِهِ مُعَيَّنٌ آخَرُ ذُكِرَ دَالُّهُ فَقُبِلَ ذِكْرُهُ) أَيْ دَالِّهِ (هُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ (مَعْدُومٌ إلَّا فِي الْإِرَادَةِ) أَيْ إلَّا فِي جَوَازِ كَوْنِهِ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ (فَهُمَا) أَيْ الْمُجْمَلُ وَالْعَامُّ (فِيهَا) أَيْ فِي الْإِرَادَةِ (سَوَاءٌ) .
[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]
(مَسْأَلَةٌ وَيَكُونُ) الْبَيَانُ (بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ لَنَا يُفْهِمُ أَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلُ الصَّالِحُ لِكَوْنِهِ مُرَادًا مِنْ الْقَوْلِ هُوَ (الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ) الْمُجْمَلِ (بِفِعْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (عَقِيبَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ (فَصَلَحَ) الْفِعْلُ (بَيَانًا بَلْ هُوَ) أَيْ الْفِعْلُ (أَدَلُّ) عَلَى بَيَانِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ فِيهِ «فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ» وَقَدْ صَارَ هَذَا الْقَوْلُ مَثَلًا (وَبِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ (بَيَّنَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ) لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ اسْتِقْرَاءُ بَعْضِ الْمَشَاهِيرِ مِنْ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَمْ يُبَيِّنْهُمَا بِالْفِعْلِ (بَلْ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» «وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ الْإِبَاحَةُ لَنَا وَلَهُ (أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا) أَيْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (دَلِيلَا كَوْنِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (بَيَانًا) لَا أَنَّهُ هُوَ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى تَعْرِيفِهِمَا
(وَهَذَا) الْجَوَابُ (يَنْفِي الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ اقْتِضَاءُ فَهْمِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوقَعَ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَيْ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُثْبِتًا لِلْمُدَّعَى (إذْ يُفِيدُ) هَذَا (أَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (بَيَانًا) إنَّمَا عُرِفَ (بِالشَّرْعِ وَبِهِ) أَيْ بِالشَّرْعِ (كِفَايَةٌ) فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْفِعْلِ بَيَانًا (فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ: صَلُّوا وَخُذُوا إلَى آخِرِهِمَا (لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ) فَإِنَّ الْبَيَانَ حَصَلَ لَهُمْ بِلَا شَكٍّ بِمُبَاشَرَةِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِحَضْرَتِهِمْ عَلَى أَنَّهَا أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ فَقَوْلُهُ: صَلُّوا وَخُذُوا تَأْكِيدٌ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِلْبَيَانِ بِالْفِعْلِ (الْفِعْلُ أَطْوَلُ) مِنْ الْقَوْلِ زَمَانًا (فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْبَيَانِ بِهِ (مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ) بِالْقَوْلِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِرٍ (مَمْنُوعُ الْأَطْوَلِيَّةِ) إذْ قَدْ يَطُولُ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ أَكْثَرَ مِمَّا يَطُولُ بِالْفِعْلِ وَمَا فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَالْأَجْزَاءِ لَوْ بُيِّنَ بِالْقَوْلِ رُبَّمَا اسْتَدْعَى زَمَانًا أَكْثَرَ مِمَّا يُصَلِّيهِمَا فِيهِ (وَ) مَمْنُوعٌ (بُطْلَانُ اللَّازِمِ) أَيْ لُزُومِ التَّأْخِيرِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَاجَةِ مُمْكِنًا وَالْفَرْضُ أَنَّ التَّأْخِيرَ حِينَئِذٍ جَائِزٌ فَلَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهُ، ثُمَّ الْمَمْنُوعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute