للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

(وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فَالْقِصَاصُ) فَإِنَّهُ شُرِعَ (لِدَرْكِ الثَّأْرِ) وَالتَّشَفِّي (وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ لَا الْمَيِّتُ ثُمَّ الْجِنَايَةُ) بِقَتْلِهِ (وَقَعَتْ عَلَى حَقِّهِمْ لِانْتِفَاعِهِمْ بِحَيَاتِهِ) بِالِاسْتِئْنَاسِ بِهِ وَالِانْتِصَارِ بِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَحَقُّهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (أَيْضًا بَلْ أَوْلَى) لِانْتِفَاعِهِ بِحَيَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ انْتِفَاعِهِمْ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عِنْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ الْقَائِمِينَ مُقَامَهُ خِلَافَةً عَنْهُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ فَالسَّبَبُ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ وَالْحَقُّ وَجَبَ لِلْوَرَثَةِ (فَصَحَّ عَفْوُهُ) رِعَايَةً لِجَانِبِ السَّبَبِ (وَعَفْوُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لَا سِيَّمَا إسْقَاطُ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ (فَكَانَ) الْقِصَاصُ (ثَابِتًا ابْتِدَاءً لِلْكُلِّ وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنُ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوَرَّثُ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مَوْقُوفٌ عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمُوَرِّثِ ثُمَّ النَّقْلِ عَنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ (فَلَا يَنْتَصِبُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ) فِي طَلَبِ الْقِصَاصِ (حَتَّى تُعَادَ بَيِّنَةُ الْحَاضِرِ) عَلَى الْقِصَاصِ (عِنْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ الثُّبُوتُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ ثُبُوتًا فِي حَقِّ الْبَاقِينَ.

(وَعِنْدَهُمَا يُوَرَّثُ) الْقِصَاصُ (لِأَنَّ خَلَفَهُ) أَيْ الْقِصَاصَ مِنْ الْمَالِ (مَوْرُوثٌ إجْمَاعًا وَلَا يُخَالِفُ) الْخَلَفُ (الْأَصْلَ وَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْقِصَاصِ (حَقًّا لَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ) أَيْ الْقِصَاصِ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فَإِذَا صَارَ) الْقِصَاصُ (مَالًا) بِالصُّلْحِ أَوْ عَفْوِ الْبَعْضِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (يَصْلُحُ لِحَوَائِجِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ التَّجْهِيزِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ زَالَ الْمَانِعُ وَارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ فَقُلْنَا (رَجَعَ) الْخَلَفُ (إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ) بِهَذَا الْقَتْلِ كَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ (فَيَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ الْفَاضِلُ عَنْهَا) أَيْ حَوَائِجُهُ خِلَافَةً لَا أَصَالَةً وَالْخَلَفُ قَدْ يُفَارِقُ الْأَصْلَ عِنْدِ اخْتِلَافِ الْحَالِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ وَالتُّرَابُ لَا فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهِيَ سِتَّةٌ (وَأَحْكَامُ الْآخِرَةِ كُلُّهَا) ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ حَقٍّ رَاجِعٍ إلَى النَّفْسِ أَوْ الْعِرْضِ أَوْ الْمَالِ وَمَا يَجِبُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ كَذَلِكَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ عِقَابٍ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ ثَوَابٍ (ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِ) وَالْقَبْرُ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِحْيَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَالْبَطْنِ لِلْجَنِينِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْبَصَائِرِ وَالْأَبْصَارِ وَكَيْفَ لَا وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَهَالِكِ وَأَخَذَ بِنَوَاصِينَا إلَى سُلُوكِ أَسْلَمِ الطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى رِضَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.

[النَّوْع الثَّانِي عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ]

[السُّكْرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ]

(النَّوْعُ الثَّانِي الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَمِنْ الْأُولَى) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ (السُّكْرُ) وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي حَدِّهِ (وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا، فَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ) ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَشْرُطَا قَذْفَهُ بِالزَّبَدِ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ وَدَفْعِ عَطَشٍ وَالْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِهَا بِقَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ (وَالْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ) كَالْبَنْجِ وَالدَّوَاءُ مَا يَكُونُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِهَا تَنْفَعِلُ الطَّبِيعَةُ عَنْهُ وَتَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ (وَالْأَغْذِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ) وَالْغِذَاءُ مَا يَنْفَعِلُ عَنْ الطَّبِيعَةِ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ وَتُحِيلُهُ إلَى مُشَابَهَةِ الْمُتَغَذَّى فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْهُ بَدَلًا عَمَّا يَتَحَلَّلُ (وَالْمُثَلَّثُ) وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ثُمَّ رُقِّقَ بِالْمَاءِ وَتُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مِنْهُ مَا دُونَ السُّكْرِ (لَا بِقَصْدِ السُّكْرِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>