للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنَ الْحَقِّ مَعَهُمْ دُونَهُ وَلَا خُرُوجَهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِلْكُلِّ (وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا) الْمُخْتَارِ (بِأَنَّ الصَّحَابَةَ سَوَّغُوا لَهُمْ) أَيْ لِلتَّابِعِينَ الِاجْتِهَادَ (مَعَ وُجُودِهِمْ) فَقَدْ مَلَأَ شُرَيْحٌ الْكُوفَةَ أَقْضِيَةً وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ بِالْمَدِينَةِ فَتَاوًى وَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا عَطَاءٌ بِمَكَّةَ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَوْلَا اعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ أَنْفُسِهِمْ لَمَا سَوَّغُوا لَهُمْ.

(قُلْنَا إنَّمَا يَتِمُّ) الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ (لَوْ نُقِلَ تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ) أَيْ التَّابِعِينَ (مَعَ إجْمَاعِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (وَلَمْ يَثْبُتْ) تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ إلَّا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ (كَالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (تَذَاكَرْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ لِوَفَاةِ زَوْجِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَقُلْت أَنَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) وَلَيْسَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اتِّفَاقَهُمْ لَوْ مَنَعَهُمْ الِاجْتِهَادَ لَسَأَلُوا عَنْهُ قَبْلَ إقْدَامِهِمْ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ قَطْعًا اهـ وَلَيْسَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ السُّؤَالِ بِسَهْلٍ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالتَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي تَابِعِ التَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا.

[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ (بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ) وَهُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣] أَلْقَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ كِسَاءً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» (وَحْدَهُمْ) مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ (خِلَافًا لِلشِّيعَةِ) وَاقْتَصَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ فَإِنَّ إجْمَاعَهُمْ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لِلْآيَةِ فَإِنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ، وَإِنَّمَا الرِّجْسُ الْعَذَابُ أَوْ الْإِثْمُ أَوْ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَمُسْتَنْكَرٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ هُمْ مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا وَهُوَ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: ٣٢] إلَخْ وَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: ٣٤] الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْعِتْرَةِ وَحْدَهُمْ حُجَّةٌ.

[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِالْأَرْبَعَةِ) الْخُلَفَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ (حَتَّى رَدَّ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا) فِي خِلَافَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى ذَلِكَ (بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ (لِبَيْتِ الْمَالِ لِنَفَاذِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ بِرَدِّهَا وَقَبِلَ الْمُعْتَضِدُ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى الْآفَاقِ وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا عَالِمًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَأَخَذَ عَنْ هِلَالٍ الرَّاوِي وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَغَيْرُهُمَا. وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْكَرْخِ مِنْ بَغْدَادَ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ.

[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِالشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (تُوجِبُ وَقْفَهُ) أَيْ تَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَغَيْرِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا هُوَ حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَيَنْتَفِي عَنْهُمَا الْخَطَأُ وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا حَالَ اخْتِلَافِهِمَا وَجَبَ حَالَ اتِّفَاقِهِمَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» ) الْمَهْدِيِّينَ عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>