رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيَّنَّا دَلِيلَهُ ثَمَّةَ كَمَا هَذَا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ حَثَّ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فَيَنْتَفِي عَنْهُمْ الْخَطَأُ.
(أُجِيبُ: يُفِيدَانِ) أَيْ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ (أَهْلِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ) أَيْ أَهْلِيَّةَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ لِاتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ (لَا مَنْعَ الِاجْتِهَادِ) لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الِاقْتِدَاءَ فِيهِمَا (مَعَ إيجَابِهِ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مُفِيدٌ حُجِّيَّةَ قَوْلِهِمَا وَقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ سِوَاهُمْ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ (إلَّا أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (آحَادٌ) فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ بِكَوْنِ إجْمَاعِهِمَا أَوْ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ (وَبِمُعَارَضَتِهِ) أَيْ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِمُعَارَضَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا «بِأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» «وَخُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ» ) أَيْ عَائِشَةَ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ كُلِّ صَحَابِيٍّ وَقَوْلِ عَائِشَةَ، وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» (لَمْ يُعْرَفْ) بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْكُبْرَى مَكْذُوبٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَلَهُ طُرُقٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ أَقْرَبُهَا إلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فَبِأَيِّهِمْ أَخَذْتُمْ بِقَوْلِهِ اهْتَدَيْتُمْ» .
وَمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي مَثَلُ النُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» نَعَمْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَالْبَزَّارُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يُؤَدِّي بَعْضَ مَعْنَاهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعُ «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُونَ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالثَّانِي) أَيْ «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ» مَعْنَاهُ (إنَّكُمْ سَتَأْخُذُونَ) فَلَا يُعَارِضَانِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَا يُعَارِضَانِهِمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا أَعْرِفُ لَهُ إسْنَادًا وَلَا رَأَيْته فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ " ح م ر " وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ وَرَأَيْته أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظِهِ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِغَيْرِ إسْنَادٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ «خُذُوا ثُلُثَ دِينِكُمْ مِنْ بَيْتِ الْحُمَيْرَاءِ» وَنَصَّ لَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ إسْنَادًا وَذَكَرَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَافِظَيْنِ الْمِزِّيَّ وَالذَّهَبِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُلَقِّنِ وَقَالَ الْحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى سَنَدٍ إلَى الْآنَ،.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا إسْنَادٌ بَلْ قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ يَقُولُ كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ لَفْظُ الْحُمَيْرَاءِ لَا أَصْلَ لَهُ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي النَّسَائِيّ
فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ (وَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ) أَيْ دَلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِحُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَالشَّيْخَيْنِ (الْحُجِّيَّةُ الظَّنِّيَّةُ) أَمَّا الْحُجِّيَّةُ فَلِلطَّلَبِ الْجَازِمِ لِلِاتِّبَاعِ لَهُمْ وَلَهُمَا، وَأَمَّا الظَّنِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ (وَرَدُّ أَبِي خَازِمٍ) عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا تَرَكَهَا أَقْرِبَاؤُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ كَافَّةُ مُعَاصِرِيهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ (رَدَّهُ أَبُو سَعِيدٍ) أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرْذَعِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ وَقَالَ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَكِنْ نَقَلَ الْجَصَّاصُ عَنْ أَبِي خَازِمٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعُدُّ زَيْدًا خِلَافًا عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا لَمْ أَعُدَّهُ خِلَافًا وَقَدْ حَكَمْتُ بِرَدِّ هَذَا الْمَالِ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فَقَدْ نَفَذَ قَضَائِي بِهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِالنَّسْخِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو خَازِمٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَوَافَقَهُ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ فِي زَمَانِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute