للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعَ خَطَأٌ مِنْهُ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ بَيْعًا (فَاسِدًا وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ) عَنْ أَصْحَابِنَا وَلَكِنْ يَجِبُ هَذَا (لِلِاخْتِيَارِ فِي أَصْلِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لِإِقَامَةِ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ مَقَامَ الْقَصْدِ (وَعَدَمِ الرِّضَا) فَيَنْعَقِدُ لِلِاخْتِيَارِ فِي أَصْلِهِ فَيَفْسُدُ لِعَدَمِ الرِّضَا حَقِيقَةً كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ فَيَمْلِكُ الْبَدَلَ بِالْقَبْضِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَالْمُكْرَهِ بَلْ كَالْهَازِلِ بَلْ فَوْقَهُ فَقَالَ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُخْطِئَ (فَوْقَ الْهَازِلِ إذْ لَا قَصْدَ) لِلْمُخْطِئِ (فِي خُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخْتَارٍ وَلَا رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ رَاضٍ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ كَالْهَازِلِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ كَالْهَازِلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْإِكْرَاهُ مِنْ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ]

(وَأَمَّا مَا) هُوَ مُكْتَسَبٌ (مِنْ غَيْرِهِ فَالْإِكْرَاهُ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَلَا يَخْتَارُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْ تُرِكَ وَنَفْسُهُ (وَهُوَ مُلْجِئٌ) بِأَنْ يُضْطَرَّ الْفَاعِلُ إلَى مُبَاشَرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (بِمَا يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ الْعُضْوَ) وَلَوْ أُنْمُلَةً؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ (بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَفْوِيتُ أَحَدِهِمَا بَلْ إنَّ ذَلِكَ تَهْدِيدٌ وَتَخْوِيفٌ لَا تَحْقِيقٌ (لَا) يَكُونُ إكْرَاهًا أَصْلًا (فَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَنِدًا إلَى اخْتِيَارٍ آخَرَ لَا أَنَّهُ يَعْدَمُهُ أَصْلًا إذْ حَقِيقَتُهُ الْقَصْدُ إلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ الْفَاعِلُ فِي قَصْدِهِ فَصَحِيحُ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ (وَيَعْدَمُ الرِّضَا وَغَيْرَهُ) أَيْ وَغَيْرَ مُلْجِئٍ لِكَوْنِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (بِضَرْبٍ لَا يُفْضِي إلَى تَلَفِ عُضْوٍ وَحَبْسٍ فَإِنَّمَا يَعْدَمُ الرِّضَا) خَاصَّةً (لِتَمَكُّنِهِ) أَيْ الْمُكْرَهِ (مِنْ الصَّبْرِ) عَلَى الْمُكْرَهِ بِهِ (فَلَا يُفْسِدُهُ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ الْإِكْرَاهُ

(وَأَمَّا) تَهْدِيدُهُ (بِحَبْسِ نَحْوَ ابْنِهِ) وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأُخْتِهِ وَأَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُتَأَيِّدَةَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْوِلَادِ (فَقِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ فِي أَنَّهُ إكْرَاهٌ) الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّ بِحَبْسِهِمْ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ مَا يَلْحَقُ بِحَبْسِ نَفْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ فَكَمَا أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي حَقِّهِ بِذَلِكَ يُعْدِمُ تَمَامَ الرِّضَا فَكَذَا التَّهْدِيدُ بِحَبْسِ أَحَدِهِمْ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ فِي قَطْعِ يَدِ نَحْوِ ابْنِهِ أَوْ قَتْلِهِ فِي كَوْنِهِ إكْرَاهًا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ (وَهُوَ) أَيْ الْإِكْرَاهُ (مُطْلَقًا) أَيْ مُلْجِئًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ (لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ) عَلَى الْمُكْرَهِ (لِلذِّمَّةِ) أَيْ لِقِيَامِ الذِّمَّةِ (وَالْعَقْلِ) وَالْبُلُوغِ (وَلِأَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَدْ يُفْتَرَضُ) فِعْلُهُ (كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى الشُّرْبِ) لِلْمُسْكِرِ وَلَوْ خَمْرًا (فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ) أَيْ تَرْكِ شُرْبِهِ عَالِمًا بِسُقُوطِ حُرْمَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِإِبَاحَتِهِ فِي حَقِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ فَرْضٌ (وَيَحْرُمُ كَعَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا فَيُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ كَعَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ) عَلَى لِسَانِهِ لِمَا سَتَعْلَمُ (بِخِلَافِ الْمُبَاحِ كَالْإِفْطَارِ لِلْمُسَافِرِ) فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ يَأْثَمُ لِصَيْرُورَتِهِ فَرْضًا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ سَالِفًا كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى الشُّرْبِ وَالْإِفْطَارِ لَكَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَمُبَاحٌ وَرُخْصَةٌ وَحَرَامٌ وَيُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْحَرَامِ وَالرُّخْصَةِ وَيَأْثَمُ فِي الْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ وَكُلُّ مِنْ الْأَجْرِ وَالْإِثْمِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَأْثَمْ، وَلَمْ يُؤْجَرْ وَبِالرُّخْصَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يُؤْجَرُ عَمَلًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِهَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِعْلُ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ فَهِيَ مَعْنَى الرُّخْصَةِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ يَأْثَمُ فَهُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ.

(وَلَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ) ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلْفَاعِلِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مَا لَا يَرْضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ الْفِعْلُ عَنْهُ) أَيْ الْإِكْرَاهِ (اخْتِيَارُ أَخَفِّ الْمَكْرُوهَيْنِ) عِنْدَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمُكْرَهِ بِهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَصْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ الْأَمْرُ الْكُلِّيِّ الَّذِي بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِكْرَاهَ مَا كَانَ مِنْهُ (بِغَيْرِ حَقٍّ إنْ كَانَ عُذْرًا شَرْعًا بِأَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ) وَالْأَحْسَنُ بِأَنْ يُحِلَّ (لِلْفَاعِلِ الْإِقْدَامَ) عَلَى الْفِعْلِ كَمَا قَالَ فِي قَسِيمِهِ الْآتِي بِأَنْ لَا يُحِلَّ (قَطْعَ) الْإِكْرَاهِ (الْحُكْمَ) أَيْ حُكْمَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>