كَوْنُ الْخَطَأِ جِنَايَةً (كَانَ مِنْ) الْعَوَارِضِ (الْمُكْتَسَبَةِ) مِنْ نَفْسِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ) أَيْ الْخَطَأَ (عُذْرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ) تَعَالَى (إذَا اجْتَهَدَ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» (وَ) جَعَلَهُ (شُبْهَةً) دَارِئَةً (فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِحَدٍّ) فِيمَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ (وَلَا قِصَاصَ) فِيمَا لَوْ رَمَى إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ (دُونَ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ خَطَأً) كَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَاةِ إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا صَيْدٌ أَوْ أَكَلَ مَالَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ فَيَعْتَمِدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَكَوْنُهُ خَاطِئًا لَا يُنَافِيهَا (وَصَلَحَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِي الْقَتْلِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (وَلِكَوْنِهِ) أَيْ الْخَطَأِ لَا يَنْفَكُّ (عَنْ تَقْصِيرٍ) فِي التَّثْبِيتِ (وَجَبَ بِهِ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ) فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ قَاصِرٌ وَهُوَ صَالِحٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذْ أَصْلُ الْفِعْلِ وَهُوَ الرَّمْيُ إلَى الصَّيْدِ مُبَاحٌ وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِيهِ مَحْظُورٌ فَكَانَ قَاصِرًا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا كَانَتْ قَاصِرَةً فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ (وَيَقَعُ طَلَاقُهُ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا اسْقِينِي فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُخْطِئِ كَالنَّائِمِ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَقَعُ (لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ خَفِيٌّ) وَفِي الْوُقُوفِ عَلَى قَصْدِهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ (فَأُقِيمَ تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ) عَنْ عَقْلٍ (مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ قَصْدِهِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ (بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْقَصْدِ فِيهِ (ظَاهِرٌ) لِلْعِلْمِ يَقِينًا بِأَنَّ النَّوْمَ يُنَافِي أَصْلَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ نُورِهِ فَكَانَتْ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ مَعْدُومَةً بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فِي دَرْكِهِ (فَأُقِيمَ) تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ (مَقَامَهُ) أَيْ الْقَصْدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (فَفَارَقَ عِبَارَةُ النَّائِمِ عِبَارَةَ الْمُخْطِئِ وَذَكَرْنَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْوُقُوعَ) لِطَلَاقِ الْمُخْطِئِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْحُكْمِ وَقَدْ يَكُونُ) التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَهُمْ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا هُوَ (مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ) وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحُكْمِ (أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَتُهُ) وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إسْعَافًا فَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَطَلَاقُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَاقِعٌ وَفِي النَّسَفِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِيهِمَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَقَعَ بِلَا قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ.
ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالِمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ وَكَيْفَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ وَهُوَ الْقَاضِي وَفِي الْحَاوِي مَعْزُوًّا لِلْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنْ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.
فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِالنِّيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ.
(وَكَذَا قَالُوا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُخْطِئِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِعْت هَذَا مِنْك بِأَلْفٍ وَقِبَلَ الْآخَرُ وَصَدَّقَهُ فِي أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute