للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ دَاعِيَةِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ (فَالْكَفُّ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً يُثْبِتُهُ) أَيْ وُجُوبَهُ (مَا قَامَ بِإِطْلَاقِهِ الدَّلِيلُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَخَرَجَ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِتَرْكِ الْأَوْلَى بِذَلِكَ فَيَلْتَزِمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ التَّرْكِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا صُدِّرَ الْجَوَابُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ تَعْجِيبًا مِنْ ذُهُولِ الْكُلِّ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ مَعَ أَنَّهُمْ الْمُحَقِّقُونَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الْعِلْمِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ مَمْنُوعٌ لِلْقَطْعِ بِفِعْلِ مُبَاحَاتٍ لَا تُحْصَى مِنْ غَيْرِ خُطُورِ مَعْصِيَةٍ يُرَادُ بِفِعْلِ تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ تُرْكُهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّرْكَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخُطُورِ الْمَتْرُوكِ وَدَاعِيَّةِ النَّفْسِ إلَى فِعْلِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ فَثَبَتَ الْمُبَاحُ مُجَرَّدًا عَنْ كَوْنِهِ تَرْكًا لِشَيْءٍ فَبَطَلَ دَلِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ ثُمَّ كَوْنُ مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ إنْكَارَ الْمُبَاحِ رَأْسًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا نَقَلَهُ كَثِيرٌ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَالْآمِدِيِّ وَقِيلَ بَلْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْأَمْرِ بِالنَّدْبِ وَالْأَمْرِ بِالْإِيجَابِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ لِآخَرِينَ كَالْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ.

(مَسْأَلَةٌ قِيلَ الْمُبَاحُ جِنْسُ الْوَاجِبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا أُذِنَ فِي فِعْلِهِ وَهَذَا جُزْءُ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ لِاخْتِصَاصِ الْوَاجِبِ بِقَيْدٍ زَائِدٍ وَهُوَ لَا فِي تَرْكِهِ وَلَا مَعْنَى لِلْجِنْسِ إلَّا كَوْنُهُ تَمَامَ الْجُزْءِ الْمُشْتَرَكِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (غَلَطٌ بَلْ) الْمُبَاحُ (قَسِيمُهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (مُنْدَرِجٌ مَعَهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (تَحْتَ جِنْسِهِمَا إطْلَاقُ الْفِعْلِ لِمُبَايَنَتِهِ) أَيْ الْمُبَاحِ لِلْوَاجِبِ (بِفَصْلِهِ إطْلَاقَ التَّرْكِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّرْكِ (وَتَقَدَّمَ فِي) مَسْأَلَةٍ لَا شَكَّ فِي تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا فِي بَحْثِ (الْأَمْرِ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ) أَيْ كَوْنُهُ مُبَايِنًا فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ.

[تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمُ إمَّا رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ]

(تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمُ إمَّا رُخْصَةٌ وَهُوَ) أَيْ الرُّخْصَةُ (مَا) أَيْ حُكْمُ (شُرِعَ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ) آخَرَ (مَعَ اعْتِبَارِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْآخَرِ (قَائِمَ الْحُكْمِ) أَيْ بَاقِيًا الْعَمَلَ بِهِ (لِعُذْرِ خَوْفِ) تَلَفِ (النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ) وَلَوْ أُنْمُلَةً إذَا لَمْ يَمْتَثِلْ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ الْعَزِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ آخَرَ بَلْ شُرِعَتْ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً عَلَى عَارِضٍ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْهَا خِصَالُ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةُ وَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ (كَإِجْرَاءِ الْمُكْرَهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ (كَلِمَةَ الْكُفْرِ) عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (وَجِنَايَتِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ الْمُكْرَهِ بِذَلِكَ (عَلَى إحْرَامِهِ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَعَلَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا عَلَى صَرِيحٍ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْفَسَادِ أَوْ لِلدَّمِ فَقَطْ أَوْ لِأَعَمَّ مِنْهُمَا وَمِنْ الصَّدَقَةِ إلَّا مَا عَسَاهُ يُفْهَمُ مِمَّا فِي شَرْحٍ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ جِنَايَةَ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. اهـ. وَيُخَالُ مِنْ اقْتِصَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ التَّرَخُّصِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْجِنَايَةِ بِأَنَّ فِيهِ انْجِبَارَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالدَّمِ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنَايَةُ الَّتِي تُوجِبُ الدَّمَ لَا الصَّدَقَةَ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ التَّرَخُّصُ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّمَ فَفِي الَّتِي تُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى (وَرَمَضَانَ) أَيْ وَجِنَايَةُ الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا مَكْرُوهًا بِذَلِكَ عَلَى جِنَايَتِهِ عَلَى صَوْمِهِ بِالْإِفْسَادِ (وَتَرْكِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ إذَا أَمَرَ وَنَهَى وَصَلَّى (وَتَنَاوُلِ الْمُضْطَرِّ مَالَ الْغَيْرِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الرُّخْصَةِ (أَحَقُّ نَوْعَيْهَا) أَيْ أُولَاهُمَا حَقِيقَةً بِاسْمِ الرُّخْصَةِ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ وَقِيَامِ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ دَالٍّ عَلَى تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ (فَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى وَلَوْ مَاتَ بِسَبَبِهَا) أَيْ الْعَزِيمَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَمَّا قِيَامُ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِي اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ وَعَدَمِ تَرَاخِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُهُ عَنْهُ فَظَاهِرٌ فَإِنَّ دَلِيلَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ قَطْعِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِي حُكْمِهِ عَنْهُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا فَيَقُومُ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُهُ بِقِيَامِ دَلِيلِهِ وَيَدُومُ بِدَوَامِهِ.

وَإِنَّمَا رَخَّصَ الشَّارِعُ لَهُ فِي إجْرَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ عَلَى لِسَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إجْرَائِهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ يَفُوتُ حَقُّهُ صُورَةً بِتَخْرِيبِ بَدَنِهِ وَمَعْنًى بِزَهُوقِ رُوحِهِ وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَفُوتُ مَعْنًى لِكَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ أَوْلَى، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا الْقَتْلُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ صُورَةً وَمَعْنًى بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ صُورَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>