عَلَى ثُبُوتِ صِدْقِ الرَّسُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ الْمَوْقُوفِ عَلَى وُجُودِ الْبَارِئِ وَإِرْسَالِهِ فَلَوْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
وَإِلَى هُنَا انْتَهَى تَحْرِيرُ أُصُولِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَبَلَغَتْ قَوَاعِدُهَا فِي سَمَاءِ الْبَيَانِ غَايَةَ الِارْتِفَاعِ فَبَرَزَتْ خَرَائِدُهَا سَافِرَةً لِلِّثَامِ فِي أَحْسَنِ حُلَّةٍ وَأَكْمَلِ قَوَامٍ سَهْلَةَ الِانْقِيَادِ لِذَوِي النُّهَى وَالْأَحْلَامِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْعَلِيمِ الْعَلَّامِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ شَامِخَةَ الْأَنْفِ أَبِيَّةَ الزِّمَامِ، وَمِنْ هُنَا يَقَعُ الشُّرُوعُ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ الْفُحُولِ وَمِيزَانُ الْعُقُولِ وَلِلظَّفَرِ بِدَقَائِقِهِ وَرَقَائِقِهِ عَلَى اخْتِلَافِ حَدَائِقِهِ وَحَقَائِقِهِ تُشَدُّ الرِّحَالُ وَلِلِاحْتِبَاءِ بِمَطَارِفِ أَزْهَارِهِ وَالِاجْتِنَاءِ لِأَصْنَافِ ثِمَارِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِبَهْجَةِ أَنْوَارِهِ وَالِاجْتِلَاءِ لِسَاطِعِ أَنْوَارِهِ تَسِيرُ الرِّجَالُ وَفِي مُنَازَلَةٍ تَتَمَايَزُ الْأَقْدَارُ بِحَسَبِ مَا نَالَتْهُ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَنْظَارِ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي سُلُوكِ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْهِدَايَة إلَى مَقْصِدِهِ الْأَسْنَى مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ تَعَالَى ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]
(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ) (الْقِيَاسُ قِيلَ هُوَ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْمَجْمُوعُ) مِنْهُمَا (أَيْ يُقَالُ إذَا قَصَدَ الدَّلَالَةَ عَلَى مَجْمُوعِ ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ عَقِيبَ التَّقْدِيرِ؛ قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ) أَيْ قَدَّرْتهَا بِهَا فَسَاوَتْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ (وَلَمْ يَزِدْ الْأَكْثَرُ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَحَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى) أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً (التَّقْدِيرُ وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ) أَيْ طَلَبُ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ نَحْوُ (قِسْت الثَّوْبَ بِالذِّرَاعِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي مِقْدَارٍ) نَحْوُ (قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ وَلَوْ) كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَمْرًا (مَعْنَوِيًّا) نَحْوُ (أَيْ فُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ، لَا يَقْدِرُ أَيْ لَا يُسَاوِي) وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
خِفْ يَا كَرِيمُ عَلَى عِرْضٍ يُدَنِّسُهُ ... مَقَالُ كُلِّ سَفِيهٍ لَا يُقَاسُ بِكَا
وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةُ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَرْدًا مَفْهُومُهُ) أَيْ التَّقْدِيرِ (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ) يُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْلَامِ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةِ بِاعْتِبَارِ شُمُولِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّقْدِيرُ لَهُمَا وَصِدْقُهُ عَلَيْهِمَا (لَا) مُشْتَرَكٌ (لَفْظِيٌّ) فِيهِمَا فَقَطْ أَوْ وَفِي الْمَجْمُوعِ مِنْهُمَا (وَلَا) حَقِيقَةَ فِي التَّقْدِيرِ (مَجَازٌ فِي الْمُسَاوَاةِ كَمَا قِيلَ) فِي الْبَدِيعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّقْدِيرَ يَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ شَائِعٌ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ.
(وَفِي الِاصْطِلَاحِ) عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ الْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ (مُسَاوَاةُ مَحَلٍّ لِآخَرَ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ (شَرْعِيٍّ لَا تُدْرَكُ) تِلْكَ الْعِلَّةُ (مِنْ نَصِّهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ (بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ) فَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِالشَّرْعِيِّ الْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ عَقْلِيٍّ صِرْفٍ وَالْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُخَيَّلَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ لُغَوِيٍّ (فَلَا يُقَاسُ فِي اللُّغَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَإِطْلَاقُ حُكْمِهِ) بِأَنْ لَا يُوصَفَ بِشَرْعِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ (يَدْخُلُهُ) أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعَقْلِيِّ الصِّرْفِ فِي الْحَدِّ لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ لَهُمَا كَمَا لِلشَّرْعِيِّ فَيَصِيرُ الْحَدُّ مَدْخُولًا (وَالِاقْتِصَارُ) فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ (عَلَى مُسَاوَاةِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (يُفِيدُ طَرْدَهُ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ لِأَنَّهُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (وَاسْمُ الْقِيَاسِ) أَيْ إطْلَاقُهُ (مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (مَجَازٌ لِلُزُومِ التَّقْيِيدِ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ (بِالْجَلِيِّ) أَيْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ (وَإِلَّا فَعَلَى) إطْلَاقَ الْقِيَاسِ عَلَى الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَعَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى سَبِيلِ (التَّوَاطُؤِ) حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ قِسْمًا مِنْ الْقِيَاسِ (بَطَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute