للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافُ (إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُخَالِفِينَ مُجْتَهِدٌ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ كَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُجْتَهِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُخَالِفِينَ كَمُعَاوِيَةَ وَابْنِ الْعَاصِ مُجْتَهِدٌ) فَإِنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ حِينَئِذٍ (وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْقِيبُ (إبْطَالُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ كَوْنُ عَدَمِ اعْتِبَارِ خِلَافِ الرَّافِضَةِ فِي خِلَافَةِ الشُّيُوخِ لِفِسْقِهِمْ (وَالْمَطْلُوبُ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ فِسْقِ الْمُجْمِعِينَ (ثَابِتٌ بِالْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ يَتَضَمَّنُ الْعَدَالَةَ إذْ الْحُجِّيَّةُ لِلتَّكْرِيمِ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ (كَوْنُهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ (الصَّحَابَةَ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ) فَقَالُوا الْإِجْمَاعُ اللَّازِمُ يَخْتَصُّ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ فَأَمَّا إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَلِأَحْمَدَ قَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالظَّاهِرِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ لَا كَالْجُمْهُورِ (لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ) الْمُفِيدَةِ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعِ (مَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ فَلَا مُوجِبَ لِتَخْصِيصِهَا بِإِجْمَاعِهِمْ (قَالُوا) أَيْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوَّلًا انْعَقَدَ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) قَبْلَ مَجِيءِ مَنْ بَعْدَهُمْ (عَلَى أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ) مِنْ الْأَحْكَامِ (جَازَ) الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَجَازَ (مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ) مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ الْأَخْذُ بِهِ (فَلَوْ صَحَّ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (عَلَى بَعْضِهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا (لَمْ يَجُزْ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ إجْمَاعًا وَلَا الْأَخْذُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ (فَيَتَعَارَضُ الْإِجْمَاعَانِ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ الْمُفِيدُ أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.

(وَالْجَوَابُ) أَنَّ الصَّحَابَةَ (أَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوطَةٍ) عَامَّةٍ (أَيْ) يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيمَا لَا قَاطِعَ فِيهِ (مَا دَامَ لَا قَاطِعَ فِيهِ) فَلَمْ يَتَنَاقَضْ الْإِجْمَاعَانِ؛ لِأَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ قَدْ زَالَ مِنْهُ الشَّرْطُ وَهُوَ مَا دَامَ لَا قَاطِعَ فِيهِ لِحُصُولِ الْقَاطِعِ فِيهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي فَزَالَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ

(قَالُوا) أَيْ الظَّاهِرِيَّةُ ثَانِيًا (لَوْ اُعْتُبِرَ) إجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ (اُعْتُبِرَ) أَيْضًا إجْمَاعُ غَيْرِهِمْ (مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ خِلَافٌ) مُسْتَقِرٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ اعْتِبَارُهُ مَعَ عَدَمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ فَلْيَجُزْ مَعَ مُوَافَقَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ مُخَالَفَةَ بَعْضِهِمْ لَا تَصْلُحُ مُعَارِضًا لِإِجْمَاعِ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ وَاللَّازِمَ مُنْتَفٍ لِاشْتِرَاطِكُمْ عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ.

(الْجَوَابُ إنَّمَا يَلْزَمُ) هَذَا لَازِمًا لِهَذَا الْقَوْلِ مَعَ بُطْلَانِهِ (مِنْ شَرَطَ عَدَمِ سَبْقِ الْخِلَافِ الْمُتَقَرِّرِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ) فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ لَكِنَّ هَذَا إذَا سُلِّمَ الْمُلَازَمَةُ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا (لَا) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ هَذَا لَازِمًا بَاطِلًا (مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) عَدَمَ سَبْقِ خِلَافٍ مُتَقَرِّرٍ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ جَعَلَ الْوَاحِدَ) أَيْ خِلَافَهُ (مَانِعًا) مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِمَنْ سِوَاهُ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ هَذَا غَيْرَ قَائِلٍ بِبُطْلَانِهِ إذْ هُوَ يَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ (وَيُعْتَبَرُ التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ فِيهِمْ) أَيْ فِي الصَّحَابَةِ عِنْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ (وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ) مِنْ التَّابِعِينَ (دَرَجَتَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (بَعْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ فَاعْتِبَارُهُ) أَيْ ذَلِكَ فِيهِمْ (وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِيهِمْ مَبْنِيٌّ (عَلَى اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ) فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ اعْتَبَرَهُ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قُلْت إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ جَوَازُ رُجُوعِ بَعْضِ الْمُجْمِعِينَ وَدُخُولِ مُجْتَهِدٍ يَحْدُثُ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ.

أَمَّا مَنْ قَالَ فَائِدَتُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ لَا غَيْرُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتَبِرَهُ أَيْضًا (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ (لَا يُعْتَبَرُ) التَّابِعِيُّ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا عِنْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ (لَنَا) عَلَى اعْتِبَارِ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِيهِمْ (لَيْسُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ (كُلَّ الْأُمَّةِ دُونَهُ) أَيْ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ إلَّا فِي رِوَايَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>