للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مُنْتَفٍ بَلْ الثَّابِتُ) شَرْعًا (حِينَئِذٍ رَفْعُهُ) أَيْ رَفْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) رَفْعُهُ (ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ نَاسِخًا (كَرَفْعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ) فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا، وَإِنْ كَانَ رَفْعًا وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَسَالِفًا مِنْ أَنَّهُ نَسْخٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ هَذَا (فِي التَّعَارُضِ) بَيْنَ الْمُحَرِّمِ وَالْمُبِيحِ (تَرْجِيحُ الْمُخَالِفِ حُكْمًا) كَالْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ (بِتَأَخُّرِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا (كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ) بِنَاءً عَلَى أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ مَعْنَاهُ (أَيْ) يَتَكَرَّرُ (الرَّفْعُ أَوْ) النَّسْخُ (عَلَى حَقِيقَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا سَلَفَ عَنْ الطَّائِفَةِ) الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ فِي مَسْأَلَةٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ (فَلَا يَجِبُ الْوَقْفُ غَيْرَ أَنَّهُ مُرَجَّحٌ لَا نَاسِخٌ)

وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمُعَارِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ مُرَجَّحٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لَا نَاسِخٌ نَقْلِيٌّ مِثْلُ مَا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ فِي تَرْجِيحِ الْمُخَالِفِ حُكْمًا بِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُعَارِضِهِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْقَوْلُ بِمَنْسُوخِيَّةِ الْآخَرِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ مُتَعَارِضَيْنِ رَجَّحَ الْمُجْتَهِدُ أَحَدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ التَّنْبِيهُ صَرِيحًا عَلَى نَفْيِ تَوَهُّمِ كَوْنِ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَصْلِ إذَا لَمْ يُفِدْ ثُبُوتُ نَسْخِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهَا لِلْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَثَرٌ بِأَنَّ لَهَا أَثَرٌ وَهُوَ تَرْجِيحُهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا وَافَقَ الْأَصْلَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ مُرَجَّحٌ لَا نَاسِخٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لِتَخْصِيصِ الِاسْتِدْرَاكِ بِهِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ هَذَا وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ التَّرَاجِيحَ قَدْ تَتَعَارَضُ وَهَذَا التَّرْجِيحُ يُعَارِضُهُ مَا فِي تَقْدِيمِ الْمُوَافِقِ عَلَى الْمُخَالِفِ مِنْ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى تَقْدِيمِ مَا لَزِمَ مِنْهُ تَقْلِيلُ النَّسْخِ، وَإِنْ لَزِمَ كَوْنُهُ تَأْكِيدًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِيهِ تَكَرُّرُ النَّسْخِ، وَإِنْ كَانَ تَأْسِيسًا لَكَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الْقَلْبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

ِ (الْإِجْمَاعُ الْعَزْمُ وَالِاتِّفَاقُ لُغَةً) يُقَالُ أَجْمَعَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَالْقَوْمُ عَلَى كَذَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَيُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ وَاحِدٍ لَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَنْسَبُ انْتَهَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إلَّا وَاحِدٌ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لَهُ الْعَزْمُ، وَأَمَّا الِاتِّفَاقُ فَلَازِمٌ اتِّفَاقِيٌّ ضَرُورِيٌّ لِلْعَزْمِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ مُتَعَلِّقِ عَزْمِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الْعَزْمَ يَرْجِعُ إلَى الِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْ اتَّفَقَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ إذْ لَا مَلْجَأَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَاصْطِلَاحًا اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ) فَاتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ يُفِيدُ اتِّفَاقَ جَمِيعِهِمْ أَيْ اشْتِرَاكَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِي عَصْرٍ هَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ إجْمَاعًا فَظَاهِرُ هَذَا لَا وَلَا ضَيْرَ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ إجْمَاعًا كَمَا سَيَأْتِي وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ قِيلَ اتِّفَاقًا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُ الْعَامِّيِّ الصِّرْفِ وَلَا وِفَاقُهُ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ يَعْتَبِرُ مُطْلَقًا وَآخَرُونَ يَعْتَبِرُ فِي الْإِجْمَاعِ الْعَامِّ وَهُوَ مَا لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لِحَاجَةِ الْجَمِيعِ إلَى مَعْرِفَتِهِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أُمَّهَاتِ الشَّرَائِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَعَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا فِي الْإِجْمَاعِ الْخَاصِّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْخَاصَّةُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ كَفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْحَقِّ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْجَصَّاصُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِلْخَاصِّ. هَذَا وَقَدْ حُكِيَ خِلَافٌ فِي الْمُرَادِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَامِّيِّ فِي الْإِجْمَاعِ فَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ وَأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي افْتِقَارِ كَوْنِهِ حُجَّةً، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ بَلْ فِي سُقُوطِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>