للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْقَوْلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ بَاطِلٌ وَالْعَامِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلَا يُعْتَدُّ فِيهِ بِخِلَافِهِ وَلَا وِفَاقِهِ، عَلَى أَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِ الْعَامَّةِ وَالْإِطْلَاعِ عَلَى أَقَاوِيلِهِمْ لِإِتْسَاعِ انْتِشَارِهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ، وَأَمَّا الْعَامِّيُّ غَيْرُ الصِّرْفِ مِمَّنْ حَصَّلَ عِلْمًا مُعْتَبَرًا مِنْ فِقْهٍ أَوْ أُصُولٍ فَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَّدَ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى فَقْدِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ بِحُصُولِ قُوَّةِ النَّظَرِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَوْ فِي الْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِّيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْفَقِيهَ لَا الْأُصُولِيَّ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ عَالِمٌ بِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْخِلَافُ وَالْوِفَاقُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ لِكَوْنِ الْأُصُولِيِّ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الِاجْتِهَادِ لِعِلْمِهِ بِمَدَارِك الْأَحْكَامِ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْسَامِهَا وَكَيْفِيَّةِ اسْتِفَادَتِهَا مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ التَّعْرِيفُ وَيُفِيدُهُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَيَلْزَمُهُ خُرُوجُ مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْكَافِرِ أَصَالَةً. وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَسَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي التَّعْرِيفِ عَلَى قَوْلِ مُشْتَرَطِهَا فِي أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَانْدَفَعَ بِإِضَافَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إلَى عَصْرٍ أَيْ زَمَنٍ طَالَ أَوْ قَصُرَ تَوَهُّمُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِجْمَاعُ إلَّا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي اللُّمَعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي مِنْ السُّنَّةِ خِلَافًا للإسفراييني فِي جَمَاعَةٍ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ قَبْلَ نَسْخِ مِلَلِهِمْ حُجَّةٌ وَلِلْآمِدِيِّ مُوَافَقَةٌ لِلْقَاضِي فِي اخْتِيَارِهِ الْوَقْفَ وَخَرَجَ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ تَقْرِيرًا وَلَوْ بِالسُّكُوتِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَمْرٍ لُغَوِيٍّ كَالْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَبِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي بَعْضِ الْعَقْلِيَّاتِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ أَيْضًا حُجَّةٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا، إلَّا أَنَّ ثَمَّ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْكِلُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِهَا عَمَلٌ أَوْ اعْتِقَادٌ صَدَقَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إجْمَاعٌ عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا عَمَلٌ وَلَا اعْتِقَادٌ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ وَهُوَ مَا كَانَ دَلِيلًا مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ مُوجِبًا لِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي تَمَامِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الشِّقُّ الثَّانِي فَفِي تَمَامِهِ نَظَرٌ بَلْ يُقَالُ ثُبُوتُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُفِيدُ ثُبُوتَهَا فِي الْأَمْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي غَيْرِ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي زَمَانِهِ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ دُونَهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي جَوَازِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْمِيزَانِ فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَعَلَى مَنْ شَرَطَ لِحُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَالتَّعْرِيفِ لَهُ انْقِرَاضَ عَصْرِهِمْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِمُشْتَرِطِ انْقِرَاضِ عَصْرِ أُولَئِكَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي حُجِّيَّةِ إجْمَاعِهِمْ أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ وَظَهَرَ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ مُجْتَهِدِيهِ (زِيَادَةٌ إلَى انْقِرَاضِهِمْ) بَعْدَ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ سَوَاءٌ كَانَتْ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا دُخُولَ مَنْ سَيُحْدِثُ فِي إجْمَاعِهِمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَوْ إدْخَالَ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَاقِي الْمُشْتَرِطِينَ لِيَخْرُجَ اتِّفَاقُهُمْ إذَا رَجَعَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ مَا يَكُونُ حُجَّةً شَرْعًا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِمَا هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ الْمَقْرُونُ بِالشَّرَائِطِ، ثُمَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَلْزَمُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ (وَ) عَلَى (مَنْ شَرَطَ) لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَمَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقَرٍّ) وَكَانَ يَرَى جَوَازَ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ وَكَانَ التَّعْرِيفُ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>