بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا» الْحَدِيثَ فَانْتَقَلَ فِي الْقِيمَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَعَلِمْنَا أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ عَيْنِ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ، وَإِلَّا لَسَقَطَ إنْ تَعَذَّرَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَدْفَعَهُ (فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاةِ وَالْجَذَعَةِ) وَغَيْرِهِمَا (كَانَ لِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي) مِنْ غَيْرِهَا (لَا لِتَعَيُّنِهَا: وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْكَفَّارَةِ مِثْلُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهُمَا مَسْأَلَتَا إسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعَلَى أُخْتَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْجَهِ، وَإِنَّمَا الْأَوْجَهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجْزِئُهُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا، وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ اهـ وَلَا مُوجِبَ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ الْخَفَاء فِي الدَّلَالَةِ]
(التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ) لِلْمُفْرَدِ (مُقَابِلُ) التَّقْسِيمِ (الثَّانِي) لَهُ؛ لِأَنَّهُ (بِاعْتِبَارِ الْخَفَاءِ) فِي الدَّلَالَةِ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ بِاعْتِبَارِ الظُّهُورِ فِيهَا (فَمَا كَانَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ (يُعَارِضُ غَيْرَ الصِّيغَةِ فَالْخَفِيُّ) أَيْ فَاللَّفْظُ الَّذِي هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْخَفَاءِ فِي مَعْنَى خَفِيَ هُوَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ فِيهِ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لَهُ غَيْرِ صِيغَتِهِ هُوَ الْخَفِيُّ اصْطِلَاحًا وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ الْخَفَاءَ إذَا كَانَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَاللَّفْظُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ، وَأُورِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَفِيُّ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَفَاءَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَوْقَ الْخَفَاءِ بِعَارِضٍ فَلَوْ كَانَ الْخَفِيُّ مَا يَكُونُ خَفَاؤُهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا لِلظَّاهِرِ (وَهُوَ) أَيْ الْخَفِيُّ (أَقَلُّهَا) أَيْ أَقْسَامِ هَذَا التَّقْسِيمِ (خَفَاءً كَالظَّاهِرِ فِي الظُّهُورِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي أَقَلُّ أَقْسَامِهِ ظُهُورًا (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ الْخَفِيِّ اصْطِلَاحًا (لَفْظٌ) وُضِعَ (لِمَفْهُومٍ عَرَضَ فِيمَا) أَيْ فِي مَحَلٍّ (هُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلُّ (بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْمَفْهُومِ (مَا) أَيْ عَارِضٌ (يَخْفَى بِهِ) أَيْ بِالْعَارِضِ (كَوْنُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. (مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَيُوجِبُ اسْتِمْرَارَ ذَلِكَ الْخَفَاءِ الْعَارِضِ فِيهِ (إلَى قَلِيلِ تَأَمُّلٍ) فَيَزُولُ الْخَفَاءُ حِينَئِذٍ
(وَيَجْتَمِعَانِ) الْخَفِيُّ، وَالظَّاهِرُ (فِي لَفْظٍ) وَاحِدٍ (بِالنِّسْبَةِ) إلَى مَفْهُومِهِ وَبَعْضُ الْمَحَالِّ (كَالسَّارِقِ ظَاهِرٌ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْآخِذُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مِقْدَارَهَا خِفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَمَوَّلِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ (خَفِيٌّ فِي النَّبَّاشِ) أَيْ آخِذِ كَفَنِ الْمَيِّتِ مِنْ الْقَبْرِ خُفْيَةً بِنَبْشِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ (وَالطَّرَّارِ) وَهُوَ الْآخِذُ لِلْمَالِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْيَقْظَانِ فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ بِطُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا خَفِيَ فِيهِمَا (لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِاسْمٍ) غَيْرِ السَّارِقِ يُعْرَفُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ السَّارِقِ (إلَى ظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ إلَى أَنْ يُتَأَمَّلَ قَلِيلًا فِي وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ (فِي الطَّرَّارِ لِزِيَادَةٍ) فِي الْمَعْنَى وَهُوَ حِذْقٌ فِي فِعْلِهِ وَفَضْلٌ فِي جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ الْأَعْيُنَ الْمُسْتَيْقِظَةَ الْمُرْصَدَةَ لِلْحِفْظِ لِغَفْلَةٍ وَالسَّارِقُ يُسَارِقُ النَّائِمَةَ أَوْ الْغَائِبَةَ (فَفِيهِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي الطَّرَّارِ (حَدُّهُ) أَيْ السَّارِقِ (دَلَالَةً) أَيْ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهِ فِيهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ كَامِلٌ يَأْخُذُ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَيَقَظَتِهِ فَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السَّارِقِ مِمَّنْ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضِ نَوْمِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهُ (لَا قِيَاسًا) عَلَيْهِ حَتَّى يُورَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِهِ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةٍ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَ قَطْعِهِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْرَفُ فِي الْفِقْهِ.
(وَالنَّبَّاشُ لِنَقْصٍ فَلَا) أَيْ وَأَنَّ الِاخْتِصَاصَ فِي النَّبَّاشِ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ قُصُورُ مَالِيَّةِ الْمَأْخُوذِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا تَجْرِي فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالضِّنَةُ وَالْكَفَنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute