قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ بَلْ مَعْنَوِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ بَلْ هِيَ مُلْحَقَةٌ بِالْمُجْتَهَدَاتِ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]
(مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ فِيهِ (هُوَ) أَيْ الْمَزِيدُ (فِعْلٌ أَوْ وَصْفٌ كَرَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ وَالتَّغْرِيبِ فِي الْحَدِّ) وَهَذَانِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْجُزْءِ (وَالطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ وَوَصْفِ الْأَيْمَانِ فِي الرَّقَبَةِ) وَهَذَانِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرْطِ (فَهَلْ هُوَ) أَيْ الْمَزِيدُ (نَسْخٌ) لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ أَمْ لَا (فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْجُبَّائِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ (لَا) يَكُونُ نَسْخًا (وَقِيلَ إنْ رَفَعَتْ) الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَتْ نَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا لِلْقَاضِي وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الزِّيَادَةَ (قَدْ) تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (وَقَدْ) لَا تَرْفَعُهُ وَنَقَلَ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَعْرِفُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ أَيَّ صُورَةٍ تَقْتَضِي رَفْعَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَأَيَّ صُورَةٍ لَا تَقْتَضِيهِ وَأَوْضَحَهُ السُّبْكِيُّ فَقَالَ وَأَنَا أَقُولُ لَا حَاصِلَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ هُوَ بِوَاقِعٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي أَنَّ مَا رَفَعَ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَتُهُ وَلَسْنَا هُنَا فِي مَقَامِ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ وَمَا لَا فَلَيْسَ بِنَسْخٍ فَالْقَائِلُ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا رَفَعَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَمَا لَمْ يَرْفَعْ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ نَسْخًا فَهِيَ نَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ وَإِنَّمَا حَاصِلُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ هَلْ تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَكُونُ نَسْخًا أَوْ لَا؟ فَلَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَوَقَعَ عَلَى أَنَّهَا نَسْخٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرْفَعُ لَوَقَعَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ، فَالنِّزَاعُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ رَفْعٌ أَوْ لَا؟ وَلِذَا أَكْثَرَ الْأَئِمَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَعْدَادِ الْأَمْثِلَةِ لِيَعْتَبِرَهَا النَّظَرُ وَيَرُدَّهَا إلَى مَقَارِّهَا وَيَقْضِيَ عَلَيْهَا بِالنَّسْخِ إنْ كَانَتْ رَفْعًا وَبِعَدَمِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ.
قَالَ وَلِي وَرَاءَ هَذَا التَّقْرِيرِ كَلَامٌ آخَرُ فَأَقُولُ قَوْلُنَا الزِّيَادَةُ هَلْ هِيَ نَسْخٌ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهَا هَلْ هِيَ نَسْخُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ فَلَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنْ رَفَعَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَتْ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامُنَا فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ نَسْخٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمْ إنَّمَا كَلَامُنَا فِي نَسْخٍ خَاصٍّ فَهَلْ هِيَ نَسْخٌ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِلَا نَظَرٍ فَهَلْ الزِّيَادَةُ رَافِعَةٌ لَهُ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا أَوْ لَا؟ هَذَا حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي الْكَلَامِ فَذَكَرُوا مَا إذَا رَفَعَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ وَمَا إذَا رَفَعَتْ غَيْرَهُ انْتَهَى، ثُمَّ الَّذِي يَتَلَخَّصُ فِي بَيَانِ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَكَانَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَمُتَأَخِّرَةً عَنْ الْمَزِيدِ تَأَخُّرًا يَصِحُّ مَعَهُ النَّسْخُ وَكَانَ الْمَرْفُوعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَتْ نَاسِخَةً وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَرَفْعَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ
(وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (نَعَمْ) هِيَ نَسْخٌ (لِأَنَّهَا تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا) قَالَ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَادَّعَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (أَمَّا رَفْعُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَفِي الْمَعْلُوفَةِ) زَكَاةٌ (بَعْدَ) قَوْلِنَا فِي (السَّائِمَةِ) زَكَاةٌ (فَنِسْبَتُهُ) أَيْ كَوْنُهُ نَسْخًا (إلَى الْحَنَفِيَّةِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ (غَلَطٌ إذْ يَنْفُونَهُ) أَيْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ يَكُونُ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ زِيَادَةِ عِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى مَا قَدْ شُرِعَ وَهُوَ لَيْسَ بِنَسْخٍ كَمَا سَتَعْلَمُ، وَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِمَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ فِي الِاخْتِصَارِ بِالسُّكُوتِ عَمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اعْتِذَارٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُت بَلْ حَكَمَ بِأَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَسْخٌ. قِيلَ وَالِاعْتِذَارُ الْقَرِيبُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَانَ رَفْعُهُ نَسْخًا فَهُوَ حَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعِيدٌ أَيْضًا (وَإِذَا لَزِمَ الرَّفْعُ) لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ (عِنْدَهُمْ امْتَنَعَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقَاطِعِ) عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ (فَمَنَعُوا زِيَادَةَ الطَّهَارَةِ وَالْأَيْمَانِ وَالتَّغْرِيبِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا بَابُ السُّنَّةِ وَفِي الْأَخِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّةَ الْمُشْتَرَكِ إلَخْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي الثَّانِي (عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute