(فِي الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ) دُخُولُهُمَا فِي الْمُقَيَّدِ (بِمَشْهُورٍ) أَيْ بِاصْطِلَاحٍ شَائِعٍ ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا الِاصْطِلَاحُ يَعْنِي فِي الْمُقَيَّدِ مَا أُخْرِجَ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الرَّقَبَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أُخْرِجَتْ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مَا حَيْثُ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الْمُؤْمِنَةِ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَأُزِيلَ ذَلِكَ الشِّيَاعُ عَنْهُ، وَقُيِّدَ بِالْمُؤْمِنَةِ فَكَانَ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ قَالُوا: وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ مِنْ مُتَّفِقٍ وَمُخْتَلِفٍ وَمُخْتَارٍ وَمُزَيَّفٍ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيَزِيدُ هَذَا بِهَذِهِ.
[مَسْأَلَةُ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ]
(مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ) أَيْ وَحُكْمُ مُقَيَّدٍ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ وَهُوَ الْمُسْنَدُ كَأَطْعِمْ فَقِيرًا وَاكْسُ فَقِيرًا عَارِيًّا (لَمْ يُحْمَلْ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (إلَّا ضَرُورَةً) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ (كَأَعْتِقْ رَقَبَةً وَلَا تَتَمَلَّكْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مَعَ الْأَمْرِ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمُعْتَقَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَقَدْ فُرِضَ نَهْيُهُ عَنْ تَمَلُّكِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِعِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ.
قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مُوجِبًا تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ فَلَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِيَسْتَلْزِمَ كَوْنَ الْمُعْتَقَةِ مُؤْمِنَةً أَلْبَتَّةَ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرَةَ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ إلَّا مُؤْمِنَةً كَانَ مُتَمَثِّلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِإِمْكَانِ الْعِتْقِ بِدُونِ تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ بِأَنْ يَرِثَ رَقَبَةً كَافِرَةً فَيُعْتِقَهَا فَإِنَّ التَّمَلُّكَ يَقْتَضِي الِاخْتِيَارَ وَلَا اخْتِيَارَ فِي الْإِرْثِ فَيَكُونَ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ تَمْثِيلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِهَذَا بِ أَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً وَلَا تُمَلِّكْنِي رَقَبَةً كَافِرَةً لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ بَلْ الْمِثَالُ الْمُطَابِقُ لَهُ أَعْتَقْت رَقَبَةً وَلَمْ أَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً أَوْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً (أَوْ اتَّحَدَ) حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَحُكْمُ مُقَيَّدِهِ حَالَ كَوْنِهِمَا (مَنْفِيَّيْنِ) كَلَا تُعْتِقْ رَقَبَةً لَا تُعْتِقْ رَقَبَةً كَافِرَةً (فَمِنْ بَابٍ آخَرَ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِلْعَامِّ عَلَى الْمُخْتَارِ لَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِمَا (مُثْبَتَيْنِ مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ وَرَدَا مَعًا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقَيَّدِ (بَيَانًا ضَرُورَةَ أَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَصَوْمِ) كَفَّارَةِ (الْيَمِينِ عَلَى التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ وُرُودِ الْمُطْلَقِ - وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: ١٩٦]- وَالْمُقَيَّدِ وَهُوَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِيهَا مَعًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَصْحَابُنَا بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهِ (أَوْ جُهِلَ) كَوْنُهُمَا مَعًا
(فَالْأَوْجَهُ عِنْدِي كَذَلِكَ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (حَمْلًا) لَهُمَا (عَلَى الْمَعِيَّةِ تَقْدِيمًا لِلْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ) بَيْنَهُمَا (لِلْأَغْلَبِيَّةِ) أَيْ أَغْلَبِيَّةِ الْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ (مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي التَّعَارُضِ) : الدَّلِيلَانِ الْمُتَعَارِضَانِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا (يُؤْنِسُهُ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُطْلَقَ فَسَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُقَيَّدَ (فَالْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ أُرِيدَ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ رُفِعَ بِالْقَيْدِ فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (لَمْ يُقَيِّدْ خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ الْمُتَوَاتِرَ وَهُوَ) أَيْ تَقْيِيدُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتَوَاتِرِ هُوَ (الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ وَالْمُتَوَاتِرَ قَطْعِيٌّ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ (وَهُوَ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute