فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَالِاسْتِدْلَالُ) كَمَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (يَدُلُّ عَلَى) وُجُودِ دَلِيلٍ (قَاطِعٍ فِي الْحُكْمِ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (عَادَةً) لِقَضَائِهَا بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مِثْلِهِمْ عَلَى مَظْنُونٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً لِذَلِكَ الْقَاطِعِ لَا لِقَوْلِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (مَمْنُوعٌ) فَإِنَّ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا وَلَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ الْعَادَةِ بِذَلِكَ دَائِمًا بَلْ يَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى مَظْنُونٍ دَقَّ فِيهِ النَّظَرُ لَا فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالظَّوَاهِرِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لِغَيْرِ هَذَا، وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَيْضًا إجْمَاعَهُمْ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْقَطْعَ ثَمَّةَ (قَطْعُ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَإِنَّهُ قَوْلٌ بِأَصْلٍ دِينِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ قَائِلِهِ بِهِ (وَالْقَطْعُ هُنَا) أَيْ فِيمَا سِوَاهُ قَدْ يَكُون (بَعْده) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالُوا) أَيْ الْمُخَالِفُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] فَلَا مَرْجِعَ إلَى غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَيْهِمَا رُجُوعٌ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (الْجَوَابُ لَوْ تَمَّ) هَذَا (انْتَفَى الْقِيَاسُ وَلَا يَنْفُونَهُ) أَيْ الْمُخَالِفُونَ (فَإِنْ رَجَعْتُمُوهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (إلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (لِثُبُوتِ أَصْلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (بِهِ) أَيْ بِأَحَدِهِمَا (فَكَذَا لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ) وَهُوَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْقِيَاسُ الرَّاجِعُ إلَى أَحَدِهِمَا وَحَيْثُ كَانَ ذَاكَ رَدًّا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَكَذَا هَذَا (أَوْ خُصَّ) وُجُوبُ الرَّدِّ (بِمَا فِيهِ) النِّزَاعُ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لَهُ (وَهُوَ) أَيْ مَا فِيهِ النِّزَاعُ (ضِدُّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ) هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) وُجُوبُ الرَّدِّ (خُصَّ بِالصَّحَابَةِ) بِقَرِينَةِ الْخِطَابِ
(ثُمَّ) لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ (ظَاهِرٌ لَا يُقَاوِمُ الْقَاطِعَ) الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (وَأَيْضًا) قَالُوا (نَحْوَ) قَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ نَهْيًا عَامًّا لِلْأُمَّةِ (يُفِيدُ جَوَازَ خَطَئِكُمْ) أَيْ الْأُمَّةِ إذْ الْخِطَابُ عَامٌّ لَهُمْ وَلَوْلَا جَوَازُ صُدُورِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ جَمِيعِهِمْ لَمَا أَفَادَ النَّهْيُ إذْ لَا يُنْهَى عَنْ الْمُمْتَنِعِ (أُجِيبُ بِعَدَمِ كَوْنِهِ) أَيْ النَّهْيِ (مَنْعًا لِكُلٍّ) وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ جَوَازُ كَوْنِ الْكُلِّ ذَا خَطَأٍ (لَا الْكُلِّ) أَيْ الْجَمِيعِ كَمَا قُلْتُمْ بِهِ وَرَتَّبْتُمْ عَلَيْهِ لُزُومَ جَوَازِ صُدُورِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ جَمِيعِهِمْ (يَمْنَعُ اسْتِلْزَامُ النَّهْيِ جَوَازَ صُدُورِ الْمَنْهِيِّ) عَنْ الْمُكَلَّفِ (بَلْ يَكْفِي فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ النَّهْيِ صَحِيحًا (الْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ) لِوُقُوعِ النَّهْيِ (مَعَ الِامْتِنَاعِ بِالْغَيْرِ) أَيْ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا بِعَارِضٍ مِنْ الْعَوَارِضِ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ خَطَئِهِمْ. عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ عَقْلِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَلْزَم مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوُقُوعُ (وَمُفَادُهُ) أَيْ النَّهْيِ حِينَئِذٍ (الثَّوَابُ بِالْعَزْمِ) عَلَى تَرْكِ الْمَنْهِيِّ إذَا خَطَرَ لَهُ فِعْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ، ثُمَّ هَذِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِطْرَادِهَا فِي الْأُصُولِ فَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ.
[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]
(مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ) عَلَى حُكْمٍ أَيْ مَوْتُهُمْ عَلَيْهِ (لَيْسَ شَرْطًا) لِانْعِقَادِهِ وَلَا (لِحُجَّتِهِ) أَيْ إجْمَاعُهُمْ (عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ) مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَالرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً فِي الْحَالِ (فَيَمْتَنِعُ رُجُوعُ أَحَدِهِمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ لِصَيْرُورَةِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِ مُوَافِقِيهِ حُجَّةً عَلَيْهِ (وَخِلَافُ مَنْ حَدَّثَ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ فِيهِ (وَشَرَطَهُ) أَيْ انْقِرَاضَهُمْ (أَحْمَدُ وَابْنُ فُورَكٍ) وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَالْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ (إنْ كَانَ سَنَدُهُ قِيَاسًا) لَا إنْ كَانَ نَصًّا قَاطِعًا كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ.
قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَعْتَبِرُ الِانْقِرَاضَ أَلْبَتَّةَ بَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْتَنَدِ إلَى قَاطِعٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَظِنَّةِ الظَّنِّ فَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ تَمَادِيَ زَمَانٍ وَيَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى الْفَوْرِ وَالظَّنِّيِّ فَيَشْتَرِطُ تَمَادِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute