وَصَرَفُوا الْبِشْرَ إلَى مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ) أَيْ الْبِشْرِ (مِنْ تَرْكِهِمْ الطَّعْنَ فِي نَسَبِهِ وَإِلْزَامِهِمْ بِخَطَئِهِمْ فِيهِ) أَيْ الطَّعْنِ فِيهِ (عَلَى اعْتِقَادِهِمْ) حَقِّيَّةَ الْقِيَافَةِ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّ تَرْكَ إنْكَارِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الطَّرِيقَ) الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ (ظَاهِرٌ فِي حَقِّيَّتِهَا) أَيْ الْقِيَافَةِ وَإِلَّا لَعَدَّهُ مِنْ الزَّجْرِ وَالتَّحْمِيرِ (فَلَا يَجُوزُ) تَرْكُ إنْكَارِهِ (إلَّا مَعَهُ) أَيْ كَوْنِهَا حَقًّا (وَإِلَّا لَذَكَرَهُ) أَيْ إنْكَارَهَا (وَلَا يَنْفِي) ذِكْرُهُ الْإِنْكَارَ (الْمَقْصُودَ مِنْ رُجُوعِهِمْ) أَيْ الطَّاعِنِينَ
(وَالْجَوَابُ أَنَّ انْحِصَارَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْفِرَاشِ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالطَّعْنُ لَيْسَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ (بَلْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ) أَيْ الْمُنَافِقُونَ (يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ) أَنْفُسِهِمْ (لِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُدْلِجِيِّ (فَالسُّرُورُ لِذَلِكَ) أَيْ لِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ (وَتَرْكُ إنْكَارِ السَّبَبِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ لَا يَضُرُّ (لِأَنَّهُ كَتَرْكِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنْكَارَ (عَلَى تَرَدُّدِ كَافِرٍ إلَى كَنِيسَةٍ فَلَا يَكُونُ) سُكُوتُهُ عَنْ إنْكَارِهَا (تَقْرِيرًا)
[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه علية وَسَلَّمَ قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبِّدٌ]
(مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبِّدٌ) أَيْ مُكَلَّفٌ (قِيلَ) بِشَرْعِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ أَوَّلُ الشَّرَائِعِ حَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَقِيلَ (بِشَرْعِ نُوحٍ) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ الْمُشَرِّعِينَ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ قَالَ آدَم قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ قَالَ نَعَمْ» (وَقِيلَ) بِشَرْعِ (إبْرَاهِيمَ) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمِلَّةِ الْكُبْرَى (وَقِيلَ) بِشَرْعِ (مُوسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ الَّذِي نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ أَكْثَرُ أَحْكَامِهِ إذْ عِيسَى مُوَافِقٌ لَهُ فِي بَعْضِهَا (وَقِيلَ) بِشَرْعِ (عِيسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُنْسَخْ إلَى حِينِ بَعْثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى مَا فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ
(وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ (بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ إذْ ذَاكَ) أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِطَرِيقِهِ فَإِنَّهُ عُسْرٌ إذْ ذَاكَ لِأَنَّهُ بِعَدَالَةِ النَّقَلَةِ فِي غَيْرِ التَّوَاتُرِ فَإِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ يُفِيدُ الثُّبُوتُ أَنَّهُ شَرْعُ نَبِيٍّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا بَعْدَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ إلَّا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَا) أَيْ الشَّرْعَانِ أَمْرَيْنِ (مُتَضَادَّيْنِ فَبِالْأَخِيرِ) أَيْ فَالْحُكْمُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ الْمُتَأَخِّرِ لِلْعِلْمِ بِثُبُوتِ نَسْخِهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الشَّرْعَ (الْأَخِيرَ لِعَدَمِ مَعْلُومِيَّةِ طَرِيقِهِ) أَيْ الْأَخِيرِ (فِيمَا رَكَنَ إلَيْهِ) أَيْ فَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِمَا اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ إلَيْهِ (مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا كَقِيَاسَيْنِ لِعَدَمِ مَا بَعْدَهُمَا وَنَفَاهُ) أَيْ تَعَبُّدَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ (الْمَالِكِيَّةُ) قَالَ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُتَكَلِّمِينَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمَنَعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ عَقْلًا وَقَالَ أَهْلُ الْحَقِّ يَجُوزُ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْآمِدِيُّ وَتَوَقَّفَ الْغَزَالِيُّ) وَنَسَبَ السُّبْكِيُّ التَّوَقُّفَ إلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ (لَنَا لَمْ يَنْقَطِعْ التَّكْلِيفُ مِنْ بَعْثَةِ آدَمَ عُمُومًا كَآدَمَ وَنُوحٍ وَخُصُوصًا) كَشُعَيْبٍ إلَى أَهْلِ مَدْيَنَ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ (وَلَمْ يَتْرُكُوا) أَيْ النَّاسَ (سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مَأْمُورِينَ وَلَا مَنْهِيِّينَ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ (قَطُّ فَلَزِمَ) التَّعَبُّدُ (كُلَّ مَنْ تَأَهَّلَ) مِنْ الْعِبَادِ (وَبَلَغَهُ) ذَلِكَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ (يُوجِبُهُ) أَيْ التَّعَبُّدَ (فِي غَيْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أَيْضًا (وَهُوَ كَذَلِكَ وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اتِّفَاقِيٌّ وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ (بِتَضَافُرِ رِوَايَاتِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ) أَيْ تَعَاوُنِهَا وَاجْتِمَاعِهَا وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالظَّاءِ وَهَذَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ وَذَلِكَ (لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَنَّهُ) أَيْ فِعْلَهَا (لِقَصْدِ الطَّاعَةِ وَهِيَ) أَيْ الطَّاعَةُ (مُوَافِقَةٌ الْأَمْرَ) فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ
(وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ قَصْدُ الْقُرْبَةِ وَهِيَ) أَيْ الْقُرْبَةُ (أَعَمُّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ وَالتَّنَفُّلِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ) الْقُرْبَةَ (مُعَيَّنًا) مِنْهُمَا (ظَاهِرًا فَضْلًا عَنْ ضَرُورِيَّتِهِ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِعُمُومِ كُلِّ شَرِيعَةٍ) جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ فَيَتَنَاوَلُهُ أَيْضًا (وَمُنِعَ) عُمُومُ كُلِّ شَرِيعَةٍ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَكَيْفَ لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute