قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» قَالَ (النَّافِي لَوْ كَانَ) مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ (قَضَتْ الْعَادَةُ بِمُخَالَطَتِهِ أَهْلَهَا وَوَجَبَتْ) مُخَالَطَتُهُ لَهُمْ لِأَخْذِ الشَّرْعِ مِنْهُمْ (وَلَمْ يَفْعَلْ) إذْ لَوْ فَعَلَ لَنُقِلَ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ (أُجِيبَ الْمُلْزِمُ) لِلتَّعَبُّدِ بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ شَرْعٌ (إذْ ذَاكَ) أَيْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (التَّوَاتُرُ) لِأَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ (وَلَا حَاجَةَ مَعَهُ) أَيْ التَّوَاتُرِ (إلَيْهَا) أَيْ مُخَالَطَتِهِ لَهُمْ (لَا) أَنَّ الْمُلْزِمَ لَهُ (الْآحَادُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْآحَادَ (مِنْهُمْ) أَيْ أَهْلِ الشَّرْعِ (لَا تُفِيدُ ظَنًّا) لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ هَذَا وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْفُرُوعِ إذْ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُكَلَّفُونَ بِقَوَاعِد الْعَقَائِدِ وَلِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْتَاهُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَوْلَا التَّكْلِيفُ مَا عُذِّبُوا فَعُمُومُ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهَا ثَمَرَةٌ فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ بَلْ تَجْرِي مَجْرَى التَّوَارِيخِ الْمَنْقُولَةِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ
(وَأَمَّا) أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَا قَبْلَهُ (بَعْدَ الْبَعْثِ فَمَا ثَبَتَ) أَنَّهُ شَرْعٌ لِمَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ (شَرْعٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَعَنْ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ فَالْمُعْتَزِلَةُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا وَغَيْرُهُمْ شَرْعًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ (لَنَا مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ) السَّابِقِ (فَيَثْبُتُ) ذَلِكَ شَرْعًا لَهُ (حَتَّى يَظْهَرَ النَّاسِخُ وَالْإِجْمَاعُ) ثَابِتٌ (عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٤٥] أَيْ أَوْجَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ {فِيهَا} [المائدة: ٤٥] أَيْ التَّوْرَاةِ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي شَرْعِنَا وَلَوْلَا أَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِهِ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُوبِهِ فِي دِينِ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ فِي دِينِنَا (وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ وَتَلَا {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤] » ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْت عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤] » (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ (مَقُولَةٌ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتِلَاوَتِهَا فَائِدَةٌ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتُهُ مُتَعَبِّدِينَ بِمَا كَانَ مُوسَى مُتَعَبِّدًا بِهِ فِي دِينِهِ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال (قَالُوا) أَيْ النَّافُونَ أَوَّلًا (لَمْ يَذْكُرْ) شَرْعَ مَنْ قَبْلِنَا (فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ) السَّابِقِ (وَصَوَّبَهُ) أَيْ مَا فِي حَدِيثِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا لَنَا لَذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يُصَوِّبْهُ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ (إمَّا لِأَنَّ الْكِتَابَ يَتَضَمَّنُهُ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي كُلِّفُوا بِهَا (أَوْ لِقِلَّتِهِ) أَيْ قِلَّةِ وُقُوعِهِ (جَمْعًا لِلْأَدِلَّةِ) دَلِيلُنَا الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهِ وَأُمَّتِهِ مُتَعَبِّدِينَ بِهِ وَدَلِيلُكُمْ الدَّالُّ عَلَى نَفْيِهِ
(قَالُوا) ثَانِيًا (الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ) لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ (قُلْنَا) لَكِنْ (لِمَا خَالَفَهَا لَا مُطْلَقًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِهِ) أَيْ النَّسْخِ (فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَغَيْرِهِمَا) كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ كَانَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَبِّدًا بِهِ (وَجَبَتْ خِلْطَتُهُ) لِأَهْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْمُلْزِمَ لِلتَّعَبُّدِ بِمَا عُلِمَ أَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَهُ هُوَ التَّوَاتُرُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا عُلِمَ وَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ شَرِيعَةِ مَنْ تَقَدَّمَ وَالْآحَادُ لَا تُفِيدُهُ وَالتَّوَاتُرُ لَا يَحْتَاجُهُ هَذَا (وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوهُ) أَيْ كَوْنَ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا لَنَا (بِمَا إذَا قَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ذَلِكَ (وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَجَعَلَ) هَذَا مِنْهُمْ قَوْلًا (ثَالِثًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّقْيِيدَ (وَصَلَ بَيَانَ طَرِيقِ ثُبُوتِهِ) أَيْ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ (لَا يَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافٌ إذْ لَا يُسْتَفَادُ) شَرْعُهُمْ (عَنْهُمْ آحَادًا وَلَمْ يُعْلَمْ مُتَوَاتِرٌ) مِنْهُ (لَمْ يُنْسَخْ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ) شَرْعًا لَهُمْ أَوَّلًا لِيَثْبُتَ لَهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِنَا لَهُ ثَانِيًا (فَكَانَ) ثُبُوتُهُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِقَصِّ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ بِإِنْكَارٍ بَلْ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا حِينَئِذٍ ضَرُورِيٌّ (وَبَيَانُ رَدِّهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ) قِسْمًا (خَامِسًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ كَمَا سَيَأْتِي) هَذَا وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute