للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إذْ لَا يَتَأَتَّى لِعَاقِلٍ إحَالَتُهُ) أَيْ الْخُلُوِّ (عَقْلًا فَالْوَجْهُ التَّرْجِيحُ بِأَظْهَرِيَّةِ الدَّلَالَةِ) لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الدَّالِّ عَلَى الْخُلُوِّ (عَلَى نَفْيِ الْعَالِمِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمُجْتَهِدِ) فَيَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْعَامِّ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْخَاصِّ (بِخِلَافِ الظُّهُورِ عَلَى الْحَقِّ) ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُجْتَهِدِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الظُّهُورَ عَلَى الْحَقِّ الْأَعَمُّ مِنْ الِاجْتِهَادِ (يَتَحَقَّقُ دُونَ اجْتِهَادٍ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِإِرَادَةِ الِاتِّبَاعِ، وَلَوْ تَعَارَضَا) أَيْ مَا يُوجِبُ الْخُلُوَّ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَمَا يُوجِبُ عَدَمَهُ، وَهُوَ الثَّانِي وَتَسَاقَطَا (بَقِيَ عَدَمُ الْمُوجِبِ) لِوُجُودِ الْمُجْتَهِدِ فَجَازَ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُوجِدَهُ لِعَدَمِ إخْبَارٍ مِنْهُ بِلَا مُعَارِضٍ أَنَّهُ يُوجِدُهُ أَلْبَتَّةَ (قَالُوا) ثَانِيًا الِاجْتِهَادُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ فَلَوْ خَلَا) الزَّمَانُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ (اجْتَمَعُوا) أَيْ الْأُمَّةُ.

(عَلَى الْبَاطِلِ) ، وَهُوَ مُحَالٌ (أُجِيبَ إذَا فُرِضَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَبْقَ) فَرْضًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْإِمْكَانُ، وَإِذَا فُرِضَ الْخُلُوُّ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مَقْدُورًا (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (فِي غَيْرِ مَحِلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ الِاجْتِهَادُ بِالْفِعْلِ) أَيْ تَحْصِيلِ الْمُكَلَّفِ مَرْتَبَتَهُ، وَهُوَ مُمْكِنٌ لِلْعَوَامِّ، وَمَحِلُّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَافِي لِخُلُوِّ الزَّمَانِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ لَا الْإِمْكَانُ، وَالْقُدْرَةُ هَذَا وَقَوْلُ السُّبْكِيّ لَمْ يُثْبِتْ وُقُوعَ خُلُوِّ الزَّمَانِ مِنْ الْمُجْتَهِدِ إنْ أَرَادَ الْمُطْلَقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فَمُتَعَقَّبٌ بِقَوْلِ الْقَفَّالِ وَالْغَزَالِيِّ الْعَصْرُ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ وَبِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ الْخَلْقُ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ وَبِمَا فِي الْخُلَاصَةِ الْقَاضِي إذَا قَاسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي حُكْمٍ فَظَهَرَ رِوَايَةً أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ فَالْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْقَاضِي وَعَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ آثِمٌ بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا، وَالْمُدَّعِي آثِمٌ بِأَخْذِ الْمَالِ وَمَا قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُجْتَهِدُ الْقَائِمُ بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانُوا يَرْغَبُونَ عَنْهُ وَلَا يَلِي فِي زَمَانِهِمْ غَالِبًا إلَّا مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ وَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ مُجْتَهِدٍ وَالْقَفَّالُ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ: تَسْأَلُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مَا عِنْدِي وَقَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ فَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَدَّعِي رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ بَلَغَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ كَلَامُ بَعْضِهِمْ نَابَ عَنْهُ كَمَا رَأَيْت ثُمَّ بَعْدَ تَمْشِيَتِهِ عَلَى مَا فِيهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَصْرٌ مِنْ الْأَعْصَارِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ عَصْرٌ مِنْ الْأَعْصَارِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

(مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ) الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ (بِلَا حُجَّةٍ مِنْهَا فَلَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّقْلِيدِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ، وَكَذَا لَيْسَ مِنْهُ عَلَى هَذَا عَمَلُ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ الْمُفْتِي وَعَمَلُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إحْدَى الْحُجَجِ فَلَيْسَ الْعَمَلُ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِإِيجَابِ النَّصِّ أَخْذَ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ الْمُفْتِي وَأَخْذَ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضَ لَهُمَا لِظُهُورِهِمَا بَلْ عَلَى هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ تَقْلِيدٌ فِي الشَّرْعِ لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ اتِّبَاعُ مَنْ لَمْ يَقُمْ حُجَّةً بِاعْتِبَارِهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إمَّا مُجْتَهِدٌ فَمُتَّبِعٌ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ فَقَوْلُ الْمُجْتَهِدِ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَوْ جَازَ تَسْمِيَةُ الْعَامِّيِّ مُقَلِّدًا جَازَ تَسْمِيَةُ الْمُجْتَهِدِ مُقَلِّدًا، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ ثُمَّ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَإِنَّمَا صُورَةُ الْأَخْذِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُورَةُ التَّقْلِيدِ وَلَيْسَ بِتَقْلِيدٍ حَقِيقَةً بَلْ نَقَلَ الْبَاقِلَّانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَمَنَعَ بِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى تَقْلِيدًا فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ مَا نَصُّهُ فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.

وَكَوْنُ مُرَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ التَّقْلِيدِ كَمَا ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ خَطَّأَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ اهـ. نَعَمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ اخْتِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ يَهُونُ مَوْقِعُهَا عِنْدَ ذَوِي التَّحْقِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>