للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ كَانَ قَاضِيًا أَوْ لَا (ضَرُورَةً) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَعَسُّرِ الرُّجُوعِ أَوْ تَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ فَيَحْسُنُ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ بِهَا لِسُهُولَةِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ قِصَّةُ مُعَاذٍ الشَّهِيرَةُ فِي إرْسَالِهِ إلَى الْيَمَنِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَقَصْرُ الْجَوَازِ عَلَى الْقُضَاةِ، وَالْوُلَاةِ لِحِفْظِ مَنْصِبِهِمْ عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْ تَكَلُّفِ كِتَابَتِهِ بِلَا تَعَقُّبِهِ بِالرَّدِّ (وَالْحَاضِرُ بِشَرْطِ أَمْنِ الْخَطَإِ هُوَ) أَيْ أَمْنُهُ (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ حَضْرَتِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَوْ إذْنِهِ) فِي ذَلِكَ (كَتَحْكِيمِهِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا حَكَمَ بِقَتْلِ الرِّجَالِ وَقَسْمِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ، وَالنِّسَاءِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ «الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ» وَكِلَاهُمَا يُرَجِّحَانِ كَسْرَ اللَّامِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ بِحُكْمِ الْمَلِكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

(مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَوُجُودِ مُوجِدِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ وَبَعْثِهِ الرُّسُلَ، وَالْمُصِيبُ مِنْ مُجْتَهِدِيهَا) أَيْ الْعَقْلِيَّاتِ (وَاحِدٌ اتِّفَاقًا) ، وَهُوَ الَّذِي طَابَقَ اجْتِهَادُهُ الْوَاقِعَ فَأَصَابَ الْحَقَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِ النَّقِيضَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالْمُخْطِئُ) مِنْهُمْ (إنْ) أَخْطَأَ (فِيمَا يَنْفِي مِلَّةَ الْإِسْلَامِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (فَكَافِرٌ آثِمٌ مُطْلَقًا) أَيْ اجْتَهَدَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ (عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ) أَيْضًا (بَعْدَ تَأَهُّلِهِ لِلنَّظَرِ وَبِشَرْطِ الْبُلُوغِ عِنْدَ مَنْ أَسْلَفْنَا) فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ إذَا أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ) وَقَدْرُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَلَفَ ثَمَّةَ (إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ سَمْعٌ وَمُطْلَقًا) أَيْ أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ أَمْ لَا (إنْ بَلَغَهُ) السَّمْعُ (وَبِشَرْطِ بُلُوغِهِ) أَيْ السَّمْعِ إيَّاهُ (لِلْأَشْعَرِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ) ثَمَّةَ (عَنْ بُخَارِيِّ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَبْيَنُ مِنْ النَّهَارِ لَا مَجَالَ لِنَفْيِهَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا بِغَيْرِهِ إذْ الِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا فِيهِ خَفَاءٌ وَغُمُوضٌ، وَالْمُعَانِدُ مُكَابِرٌ فِيهَا

(وَإِنْ) كَانَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ (غَيْرَهَا) أَيْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ (كَخَلْقِ الْقُرْآنِ) أَيْ الْقَوْلِ بِخَلْقِهِ (وَإِرَادَةِ الشَّرِّ) أَيْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّرَّ فَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ إرَادَةِ الشَّرِّ (فَمُبْتَدِعٌ آثِمٌ لَا كَافِرٌ وَسَيَأْتِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ (زِيَادَةٌ) فِي التَّتِمَّةِ الَّتِي تَلِي الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ تَأَوَّلُوهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ

وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ كَوُجُوبِ تَرْكِيبِ الْأَجْسَامِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ وَنَحْوِهِ فَلَا الْمُخْطِئُ فِيهِ آثِمٌ وَلَا الْمُصِيبُ فِيهِ مَأْجُورٌ إذْ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا مَجْرَى الْخَطَإِ فِي أَنَّ مَكَّةَ أَكْبَرُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ أَصْغَرُ كَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِيَّةِ (وَأَمَّا الْفِقْهِيَّةُ فَمُنْكِرُ الضَّرُورِيِّ) مِنْهَا (كَالْأَرْكَانِ) أَيْ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ الَّتِي هِيَ الْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَحُرْمَةِ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالرِّبَا (وَالسَّرِقَةِ كَذَلِكَ) أَيْ كَافِرٌ آثِمٌ لِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ) ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ نَظَرِيًّا (فَهُوَ إنْكَارٌ لِلْمَعْلُومِ ابْتِدَاءً عِنَادًا أَوْ) مُنْكِرُ (غَيْرِهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ (الْأَصْلِيَّةِ) الْقَطْعِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ (كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَالْخَبَرُ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةً (وَالْقِيَاسُ) حُجَّةً فَهُوَ مُخْطِئٌ (آثِمٌ)

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ، وَقَدْ خَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ ضَعِيفَةِ الْمَدَارِكِ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحُرُوبِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي تَأْثِيمُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا أَنَّا فِي أُصُولِ الدِّينِ لَا نُؤَثِّمُ مَنْ يَقُولُ: الْعَرَضُ يَبْقَى زَمَانَيْنِ، أَوْ يَقُولُ بِنَفْيِ الْخَلَاءِ وَإِثْبَاتِ الْمَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بِخِلَافِ) إنْكَارِ (حُجِّيَّةِ الْقُرْآنِ) ، وَالسُّنَّةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ إنْكَارَهَا (كُفْرٌ وَ) مُنْكِرُ (غَيْرِهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ (الْفَرْعِيَّةِ) الِاجْتِهَادِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ (فَالْقَطْعُ لَا إثْمَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْقَطْعُ بِنَفْيِ الْإِثْمِ (مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ شَرْطِ حِلِّهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ قَاطِعِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ وَلَا يُعْبَأُ) أَيْ لَا يُعْتَدُّ (بِتَأْثِيمِ بِشْرٍ) الْمَرِيسِيِّ (وَالْأَصَمِّ) أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَالْإِمَامِيَّةِ الْمُخْطِئُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَّا، وَالْحَقُّ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>