للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ الْكَاذِبُ هَذَا اللَّازِمَ وَكَذِبُهُ بِكَذِبِ كِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَالْفَرْضُ أَنَّ كُبْرَاهُ صَادِقَةٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْكَاذِبَةِ هِيَ هَذِهِ الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ فَالْمَطْلُوبُ حَقٌّ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْإِيضَاحَيْنِ أَخَذَ بِالْبَاقِي ثُمَّ تَرْتِيبُ هَذِهِ الضُّرُوبِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إنْتَاجِهَا لِبُعْدِهَا عَنْ الطَّبْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنْفُسِهَا فَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْإِيجَابُ الْكُلِّيُّ أَشْرَفُ الْأَرْبَعِ ثُمَّ الثَّانِي لِمُشَارَكَتِهِ الْأَوَّلَ فِي إيجَابِ مُقَدِّمَتَيْهِ ثُمَّ الثَّالِثُ لِارْتِدَادِهِ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِالْقَلْبِ ثُمَّ الرَّابِعُ لِكَوْنِهِ أَخَصُّ مِنْ الْخَامِسِ ثُمَّ حَصَرَ الضُّرُوبَ الْمُنْتَجَةَ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ فِي هَذِهِ رَأَى الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةٌ أُخْرَى بَلْ وَزَادَ نَجْمُ الدِّينِ النَّخْجَوانِيُّ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَرْبَعَةً أُخْرَى، وَفِي الثَّالِثِ سِتَّةً أُخْرَى، وَفِي الرَّابِعِ سَبْعَةً أُخْرَى وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ (تَذْنِيبٌ) .

قَالُوا، وَإِنَّمَا وُضِعَتْ الْأَشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى النَّظْمِ الطَّبِيعِيِّ، وَهُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ إلَى الْحَدِّ الْوَسَطِ ثُمَّ مِنْهُ إلَى مَحْمُولِهِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضُوعِهِ إلَى مَحْمُولِهِ، وَهَذَا لَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِيهِ غَيْرُهُ فَوُضِعَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى ثُمَّ ثُنِيَّ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَشْكَالِ إلَيْهِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صُغْرَاهُ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ مِنْ الْمَحْمُولِ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ إنَّمَا يُطْلَبُ إيجَابًا وَسَلْبًا لَهُ ثُمَّ أَرْدَفَ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ قُرْبًا لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي أَخَسِّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ثُمَّ خَتَمَ بِالرَّابِعِ إذْ لَا قُرْبَ لَهُ بِهِ أَصْلًا لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَبُعْدِهِ عَنْ الطَّبْعِ جِدًّا.

(الطَّرِيقُ الرَّابِعُ الِاسْتِقْرَاءُ تَتَبُّعِ الْجُزْئِيَّاتِ) أَيْ اسْتِقْصَاءِ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِ كُلِّيٍّ أَوْ أَكْثَرِهَا لِتَعَرُّفِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامٍ هِيَ بِحَيْثُ تَتَّصِفُ بِهِ هَلْ الْوَاقِعُ أَنَّهَا مُتَّصِفَةٌ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ أَمْ لَا، وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ (فَيُسْتَدَلُّ عَلَى) ثُبُوتِ (الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ) الشَّامِلِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (بِثُبُوتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (فِيهَا) أَيْ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ اسْتِدْلَالٌ بِحَالِ الْجُزْئِيِّ عَلَى حَالِ الْكُلِّيِّ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْغَرَضِ مِنْ هَذَا التَّتَبُّعِ، وَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لَكُلِّيٍّ لِثُبُوتِهِ فِي جُزْئِيَّاتِهِ (وَهُوَ) قِسْمَانِ (تَامٌّ إنْ اُسْتُغْرِقَتْ) الْجُزْئِيَّاتُ بِالتَّتَبُّعِ (يُفِيدُ الْقَطْعَ) كَالْعَدَدِ إمَّا زَوْجٌ، وَإِمَّا فَرْدٌ وَكُلُّ زَوْجٍ يَعُدُّهُ الْوَاحِدُ وَكُلُّ فَرْدٍ يَعُدُّهُ الْوَاحِدُ فَكُلُّ عَدَدٍ يَعُدُّهُ الْوَاحِدُ وَيُسَمَّى أَيْضًا قِيَاسًا مُقَسَّمًا (وَنَاقِصٌ خِلَافُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُسْتَغْرَقْ جُزْئِيَّاتُهُ بِالتَّتَبُّعِ، وَإِنَّمَا تَتَبُّعِ أَكْثَرُهَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُفِيدُ الظَّنَّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ أَمِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ عَلَى خِلَافِ مَا اُسْتُقْرِئَ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ كُلُّ حَيَوَانٍ يُحَرِّكُ عِنْدَ الْمَضْغِ فَكَّهُ الْأَسْفَلَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ وَالْفَرَسَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا نُشَاهِدُهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ التِّمْسَاحَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْمَضْغِ يُحَرِّكُ فَكَّهُ الْأَعْلَى، وَأَفَادَنِي الْمُصَنِّفُ إمْلَاءً فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ إنَّمَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْجُزْئِيَّاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعُ بِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّيِّ هَذَا الْجَوَازُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ الْمُقَدَّرَةِ الْوُجُودِ لَوْ وُجِدَتْ كَانَ حُكْمُهَا غَيْرَ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّ حَاجَتَنَا فِي الشَّرْعِيَّاتِ إنَّمَا هِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرْعِ تَامٌّ فَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ قَطْعًا بِخِلَافِ اسْتِقْرَاءِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ اهـ.

ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ الْمَقْبُولِ مُنْحَصِرَةٌ فِي خَمْسَةٍ الْأَرْبَعَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْخَامِسِ مَا يُسَمَّى بِالتَّمْثِيلِ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الْعِلْمِ لَمْ يَقُلْ الطَّرِيقُ الْخَامِسُ التَّمْثِيلُ بَلْ قَالَ (فَأَمَّا التَّمْثِيلُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ الْآتِي فَمِنْ مَقَاصِدِ الْفَنِّ) الْأُصُولِيِّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّ هُنَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ لِمُنَافَاتِهِ حِينَئِذٍ لِجُزْئِيَّتِهِ، وَإِنْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مَا عَدَا الْمَنْطِقَ إذْ لَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ.

[الْأَمْرُ الرَّابِعُ اسْتِمْدَاد عِلْم أُصُولُ الْفِقْهِ]

الْأَمْرُ (الرَّابِعُ) مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ (اسْتِمْدَادُهُ) أَيْ مَا مِنْهُ مَدَدُ هَذَا الْعِلْمِ، وَهُوَ أَمْرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا (أَحْكَامٌ) كُلِّيَّةٌ لُغَوِيَّةٌ (اسْتَنْبَطُوهَا) أَيْ اسْتَخْرَجَهَا أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ مِنْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِاسْتِقْرَائِهِمْ إيَّاهَا إفْرَادًا وَتَرْكِيبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>