للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لِأَقْسَامٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ جَعَلُوهَا) أَيْ عُلَمَاءُ هَذَا الْعِلْمِ الْأَحْكَامَ الْمُسْتَنْبَطَةَ الْمَذْكُورَةَ (مَادَّةً لَهُ) أَيْ جُزْءًا لِهَذَا الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَيْسَتْ مُدَوَّنَةً قَبْلَهُ) أَيْ تَدْوِينِ هَذَا الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا تُذْكَرُ فِي غُضُونِ اسْتِدْلَالَاتِهِمْ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَالتَّبَايُنِ وَالتَّرَادُفِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالظُّهُورِ وَالنُّصُوصِيَّةِ وَالْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ (فَكَانَتْ) هَذِهِ الْأَحْكَامُ حِينَئِذٍ بَعْضًا (مِنْهُ) ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى دَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ أَبْعَاضُ عُلُومٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ أَيْضًا ثَانِيًا وَيُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ ثَالِثًا ثُمَّ اسْتِمْدَادُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ جِهَةِ كُلٍّ مِنْ تَصَوُّرِهَا وَتَصْدِيقِهَا، وَمِنْ ثَمَّةَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهَا مُعَنْوَنًا ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْعِلْم بِمَسْأَلَةٍ فَإِنْ قِيلَ بَعْضُ مَقَاصِدِ هَذَا الْعِلْمِ تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَلَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهُ ضَرُورَةَ كَوْنِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ خَارِجًا عَنْ الْمُتَوَقِّفِ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَحْكَامُ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ (وَتَوَقُّفُ إثْبَاتِ بَعْضِ مَطَالِبِهِ) أَيْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ (عَلَيْهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ تَصَوُّرًا وَتَصْدِيقًا كَالتَّصْدِيقِ مَثَلًا بِأَنَّ الْعُمُومَ يَلْحَقُهُ الْخُصُوصُ (لَا يُنَافِي الْأَصَالَةَ) أَيْ أَنْ يَكُونَ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَطْلَبُ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ هَذَا الْعِلْمِ (لِجَوَازِ) كَوْنِ (مَسْأَلَةٍ) مِنْ الْعِلْمِ (مَبْدَأً لِمَسْأَلَةٍ) أُخْرَى مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ فِي الْمَبْدَئِيَّةِ كَمَا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِثَالِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ خَارِجًا عَنْهُ فَإِنَّ الْمُرَكَّبَ يَتَوَقَّفُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَجْزَائِهِ بِخَارِجٍ عَنْهُ ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا كَوْنَ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ خَارِجًا عَنْ الْمُتَوَقِّفِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْعِلْمِ (وَهَذَا) أَيْ: وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْعِلْمُ مُسْتَمَدٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْكُلِّيَّةَ السَّمْعِيَّةَ (مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ (مِنْهَا) أَيْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ صِيغَةً وَمَعْنًى.

(وَحُمِلَ حُكْمُ الْعَامِّ مَثَلًا وَالْمُطْلَقِ) أَيْ: وَحُمِلَ حُكْمُهُ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَامًّا، وَمُطْلَقًا (لَيْسَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ) أَيْ كَوْنِ الْعَامِّ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ (عَامُّ الْأَدِلَّةِ) الْمَذْكُورَةِ وَلَا بِقَيْدِ كَوْنِ الْمُطْلَقِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ مُطْلَقَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ لَيْسَ الْحَمْلُ بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْيِيدِ الْخَاصِّ (بَلْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا) أَيْ بَلْ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى عَامِّ الْكَلَامِ السَّمْعِيِّ، وَمُطْلَقِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ مِنْ مَا صَدَقَاتِ ذَيْنِك حِينَئِذٍ فَانْدَفَعَ أَنْ يُقَالَ الْأَحْكَامُ الْكَائِنَةُ لِأَقْسَامٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ إنَّمَا هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا أَحْكَامُ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْعِلْمُ مُسْتَمَدًّا مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ.

وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ لَا تَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا خَشْيَةَ تَوَهُّمِ كَوْنِهَا أَجْمَعَ مُجْمَعًا عَلَيْهَا فَقَالَ (وَقَدْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافٌ) بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ ثَانِي الْأَمْرَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأَجْزَاءٌ مُسْتَقِلَّةٌ تَصَوُّرَاتِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْوَصْفِ بِالِاسْتِقْلَالِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ تَوَهُّمِ كَوْنِ هَذَا الْعِلْمِ أَبْعَاضَ عُلُومٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا سَالِفًا أَنَّهُ سَيُشِيرُ إلَيْهِ ثَانِيًا، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَجْزَاءَ بِتَصَوُّرَاتِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِإِثْبَاتِهَا وَنَفْيِهَا مِنْ حَيْثُ اسْتِفَادَتُهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ لَا مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ (كَالْفِقْهِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْفِقْهَ يُسْتَمَدُّ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِلَّةِ أَيْضًا (يَجْمَعُهُمَا) أَيْ هَذَا الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ تَصَوُّرَاتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُمْتَدَّةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا (الِاحْتِيَاجُ) الْكَائِنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (إلَى تَصَوُّرَاتِ مَحْمُولَاتِ الْمَسَائِلِ) أَيْ مَسَائِلِهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأُصُولِيِّ مِنْ الْأُصُولِ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ وَنَفْيُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَدْلُولَةٌ لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَمُسْتَفَادَةٌ مِنْهَا، وَالْفَقِيهُ مِنْ الْفِقْهِ إثْبَاتُهَا وَنَفْيُهَا مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهَا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَهِيَ تَقَعُ جُزْءًا مِنْ مَحْمُولَاتِ مَسَائِلِهِمَا كَالْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالْوِتْرِ وَاجِبٌ فَإِنَّ مَعْنَى الْأُولَى أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ وَمُفِيدٌ لَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مُتَعَلَّقُ الْوُجُوبِ، وَمَوْصُوفٌ بِهِ فَوَقَعَ الْوُجُوبُ جُزْءًا مِنْ الْمَحْمُولِ فِيهِمَا لَا نَفْسَ الْمَحْمُولِ، وَالْحُكْمُ بِالشَّيْءِ نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا

<<  <  ج: ص:  >  >>