للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقِيَاسِ بِلَا خِلَافٍ، وَقِيلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا الْمَجَازِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْأَلْفَاظِ وَأَحْكَامِهَا وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، ثُمَّ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْحُدُودِ فِي الْجِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَالْقَائِلُ بِالْقِيَاسِ يُجَوِّزُ التَّسْمِيَةَ وَيُثْبِتُ حَدَّ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا فِي شَارِبِ النَّبِيذِ وَالنَّبَّاشِ وَاللَّائِطِ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهَا وَتَنَاوُلِهَا لِمَا يُلْحَقُ بِهَا، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ لَا يُجَوِّزُ التَّسْمِيَةَ وَلَا يُثْبِتُ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النُّصُوصِ إيَّاهَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ. وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ النَّافِينَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا مُصَرِّحُونَ بِثُبُوتِ الْحُدُودِ فِي هَذِهِ الْجِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَوَجَّهُوهُ بِمَا لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ.

[الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مهمل ومستعمل]

الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي أَقْسَامِ اللَّفْظِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ مَا تُخْرِجُهُ الْقِسْمَةُ الْأُولَى لَهُ، وَمَا تُخْرِجُهُ غَيْرُهَا، وَلَمَّا كَانَ تَقْدِيمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ أَوْلَى أَشَارَ إلَيْهِ مُبَيِّنًا لِلْحَيْثِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ فَقَالَ (وَاللَّفْظُ إنْ وُضِعَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ نَفْسِهِ بِأَنْ وُضِعَ لِمَعْنًى (فَمُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ) فُرِضَ أَنَّهُ (لَمْ يُسْتَعْمَلْ) قَطُّ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لِيَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ فِي مَعْنَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِ بَلْ وُضِعَ لِنَفْسِهِ (فَمُهْمَلٌ، وَإِنْ) فُرِضَ أَنَّهُ (اُسْتُعْمِلَ) اسْتِعْمَالًا مَا (كَدَيْزٌ ثَلَاثَةٌ) بِرَفْعِ كِلَيْهِمَا عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْخَبَرِيَّةِ فَإِنَّ دَيْزًا لَفْظٌ مُهْمَلٌ لِعَدَمِ وَضْعِهِ لِمَعْنًى، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ (وَبِالْمُهْمَلِ) أَيْ وَبِاسْتِعْمَالِ الْمُهْمَلِ فِي نَفْسِهِ (ظَهَرَ وَضْعُ كُلِّ لَفْظٍ لِنَفْسِهِ) وَضْعًا عِلْمِيًّا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (كَوَضْعِهَا لِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا ظَهَرَ وَضْعُ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لِغَيْرِ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْفَاشِي لَهُ فِي غَيْرِ نَفْسِهِ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى بَعْضِهَا الْمَفْهُومِ مِمَّا تَقَدَّمَ بِمَعُونَةِ السِّيَاقِ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى اكْتِسَابِهِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ مَجَازًا، وَفِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِنَفْسِهِ كَمَا وُضِعَ بَعْضُهَا لِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْمَجَازَ يَسْتَلْزِمُ وَضْعًا لِلْمُغَايِرِ) أَيْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَجَازُ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ وَضْعًا لِلشَّيْءِ الْمُغَايِرِ لَهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوَضْعِ لِغَيْرِ الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْوَضْعُ لِلْمُغَايِرِ (مُنْتَفٍ فِي الْمُهْمَلِ) إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِ نَفْسِهِ (وَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَ مَا اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً، وَمَا اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِهِ مَجَازًا فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا فِي الْمُهْمَلِ فَبِطَرِيقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِ أَصْلًا فَالْأَوَّلُ خَاصٌّ بِالْمُهْمَلِ وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمَجَازِ بِدُونِ تَحَقُّقِ عَلَاقَةٍ صَحِيحَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَصَارَ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ مَجَازًا، سَوَاءٌ كَانَ مَوْضُوعًا لِغَيْرِهِ أَوْ لَا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً اهـ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ مَجَازًا لِوُجُودِ سَابِقَةِ الْوَضْعِ الْمُغَايِرِ، وَالْعَلَاقَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِذَلِكَ، وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ الصُّورِيُّ بَيْنَهُمَا أَوْ الْمُجَاوَرَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِمَعْنَاهُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ مُرْتَسِمًا مَعَهُ فِي الْخَيَالِ حَصَلَ بَيْنَهُمَا مُجَاوَرَةٌ صَالِحَةٌ لَأَنْ تُجْعَلَ عَلَاقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْفَهَانِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِغَيْرِهِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا لِوَضْعِهِ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيمَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَثَلًا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ تَبَادَرَ الْمُغَايِرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ بِالْحُكْمِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ كَوْنُ الدَّلَالَةِ عَلَى مُغَايِرٍ قَبْلَ الْمُسْنَدِ) الْمُفِيدِ ذِكْرُهُ لِأَحَدِهِمَا يَنْفِي ذَلِكَ.

فَالْجَوَابُ أَوَّلًا بِمَنْعِ صَيْرُورَةِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا اصْطِلَاحًا بِمُجَرَّدِ هَذَا. وَثَانِيًا سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّبَادُرِ لَا يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْشَأْ مِنْ عَدَمِ وَضْعِهِ لِنَفْسِهِ بَلْ مِمَّا قَالَ (لِعَدَمِ الشُّهْرَةِ وَشُهْرَةِ مُقَابِلِهِ) أَيْ عَدَمِ شُهْرَةِ الْوَضْعِ فِي الْوَضْعِ لِنَفْسِهِ وَشُهْرَةِ الْوَضْعِ فِي مُقَابِلِ الْوَضْعِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْوَضْعُ لِغَيْرِهِ بَلْ قَدْ أَنْكَرَ الْوَضْعَ لِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَجَازَ أَنْ يَشْتَهِرَ اللَّفْظُ الَّذِي لَهُ وَضْعَانِ فِي أَحَدِ مَفْهُومِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>