فِي كَوْنِهِ قُرْآنًا أَوْ خَبَرًا وَرَدَ بَيَانًا فَظُنَّ قُرْآنًا فَأَلْحَقَ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (بِتَجْوِيزِ ذِكْرِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ (مَعَ التِّلَاوَةِ مَذْهَبًا) لِلْقَارِئِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ اعْتَقَدَهُ كَاعْتِقَادِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَذِكْرُهُ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ (بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ نَظْمَ مَذْهَبِهِ مَعَهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (إيهَامٌ أَنَّ مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (مَا لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُحَرَّرَ عَنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (كَقَوْلِنَا بِصَرِيحِ لَفْظِهِ) فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَحَدِهِمَا فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ ذَكَرَ اللَّهُ الْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ بِلَا تَوْقِيتٍ ثُمَّ وَقَّتَتْ عَائِشَةُ الْخَمْسَ وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ مِمَّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا يُقْرَأُ فَأَقَلُّ حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَأْتِي بِهِ غَيْرُهُ فَهَذَا عَيْنُ قَوْلِنَا فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ حَتَّى احْتَجُّوا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا عَلَى قَطْعِ الْيُمْنَى (وَمَنْشَأُ الْغَلَطِ) فِي أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ حُجِّيَّتِهِ كَمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ (عَدَمُ إيجَابِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (التَّتَابُعَ) فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ (مَعَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا عَجِيبٌ لِجَوَازِ كَوْنِ ذَلِكَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ لِقِيَامِ مُعَارِضٍ اهـ وَعَلَى هَذَا مَشَى السُّبْكِيُّ فَقَالَ لَعَلَّهُ لِمُعَارَضَةِ ذَلِكَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ نَزَلَتْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
[مَسْأَلَةٌ لَا يَشْتَمِلُ الْقُرْآنُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ]
(مَسْأَلَةٌ لَا يَشْتَمِلُ) الْقُرْآنُ (عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ خِلَافًا لِمَنْ لَا يَعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْحَشْوِيَّةِ) بِإِسْكَانِ الشِّينِ لِأَنَّ مِنْهُمْ الْمُجَسَّمَةَ وَالْجِسْمُ مَحْشُوٌّ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ أَمَامَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي حَلَقَتِهِ فَوَجَدَ كَلَامَهُمْ رَدِيئًا فَقَالَ رُدُّوا هَؤُلَاءِ إلَى حَشَا الْحَلَقَةِ أَيْ جَانِبَهَا (تَمَسَّكُوا بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ) فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (وَنَحْوَ {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: ٥١] وَ {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: ١٣] قُلْنَا التَّأْكِيدُ كَثِيرٌ وَابَدَاءُ فَائِدَتِهِ قَرِيبٌ) وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدٍ وَوَاحِدَةٍ وَصْفٌ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْمُفَصَّلِ فِي نَفْخَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى حَيْثُ قَالَ فِي الْكَشَّافِ الِاسْمُ الْحَامِلُ لِمَعْنَى الْإِفْرَادِ أَوْ التَّثْنِيَةِ دَالٌّ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ فَإِذَا أُرِيدَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي سَاقَ لَهُ الْحَدِيثَ هُوَ الْعَدَدُ شَفَعَ بِمَا يُؤَكِّدُهُ فَدَلَّ بِهِ عَلَى الْقَصْدِ إلَيْهِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ أَلَا يُرَى أَنَّك لَوْ قُلْت إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَلَمْ تُؤَكِّدْهُ بِوَاحِدٍ لَمْ يَحْسُنْ وَخُيِّلَ أَنَّك تُثْبِتُ الْإِلَهِيَّةَ انْتَهَى فَقَوْلُهُ يُؤَكِّدُهُ أَيْ يُقَرِّرُهُ وَيُحَقِّقُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ تَوْكِيدٌ صِنَاعِيٌّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِتَكْرِيرِ لَفْظِ الْمَتْبُوعِ أَوْ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ وَهِمَ عَلَيْهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ اثْنَيْنِ وَوَاحِدَةً مِنْ التَّأْكِيدِ الصِّنَاعِيِّ وَذَهَبَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ {لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: ٥١] مِنْ بَابِ الْوَصْفِ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِيهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَشَّافِ فَائِدَةُ هَذَا الْوَصْفِ التَّأْكِيدُ فِي الْآيَتَيْنِ وَأَمَّا فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَقَدْ يَكُونُ لِتَحْقِيقِ مَفْهُومِ الْمَتْبُوعِ، أَيْ جَعْلَهُ مُسْتَقِرًّا مُحَقَّقًا بِحَيْثُ لَا يَظُنُّ بِهِ غَيْرُهُ، أَوْ دَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ أَوْ السَّهْوِ أَوْ عَدَمِ الشُّمُولِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي (وَأَمَّا الْحُرُوفُ) الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (فَمِنْ الْمُتَشَابِهِ وَأَسْلَفْنَا فِيهِ خِلَافًا أَنَّ مَعْنَاهُ يُعْلَمُ أَوَّلًا) وَظَهَرَ ثَمَّةَ أَنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُعْلَمُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ (فَاللَّازِمُ) لِلْمُتَشَابِهِ عِنْدَهُمْ (عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِالْمُتَشَابِهِ وَهُوَ حَقٌّ كَمَا سَلَفَ (لَا عَدَمُهُ) أَيْ الْمَعْنَى.
(وَقِيلَ مُرَادُهُمْ) أَيْ الْحَشْوِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ (لَا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ حَيْثُ وَضَعَا الْمَسْأَلَةَ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ يَجُوزُ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَا لَا يَفْهَمُ الْمُكَلَّفُونَ مَعْنَاهُ (فَكَقَوْلِ النَّافِي) أَيْ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِ نَافِي عَدَمَ إدْرَاكِ الْمَعْنَى (فِي الْمُتَشَابِهِ) بَلْ هُوَ هُوَ (فَلَا خِلَافَ) بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَهُمْ عَلَى هَذَا بَلْ هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ دَرْكِ مَعْنَى الْمُتَشَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ بَرْهَانٍ يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute