فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا وَالْقِيَاسُ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِيَاسُ حَقِيقَةً وَعَلَى هَذَا الْجَوَابُ عَوَّلَ أَبُو الْحُسَيْنِ (وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ) أَيْ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ (إلَى مُسَمَّاهُ) أَيْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ (يَتَضَمَّنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا) لِاسْتِلْزَامِ الْجَامِعِ لَهَا، فَإِذَنْ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ دَاخِلٌ فِي قِيَاسِ الْعِلَّةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا فَلَا يَضُرُّ انْطِبَاقُ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ (فَقِيَاسُ النَّبِيذِ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ (عَلَى الْخَمْرِ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهَا (بِرَائِحَةِ الْمُشْتَدِّ) فِيهِمَا (يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْإِسْكَارِ) الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْعِلَّةُ مُتَضَمِّنَةً (غَيْرَ الْمَذْكُورِ) .
[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]
. (وَأَرْكَانُهُ) أَيْ أَجْزَاءُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ حَقِيقَتُهُ إلَّا بِحُصُولِهَا (لِلْجُمْهُورِ) أَرْبَعَةٌ الْوَصْفُ (الْجَامِعُ) هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ (وَالْأَصْلُ) وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَهُوَ إمَّا (مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ) كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ (أَوْ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ (أَوْ دَلِيلُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا اصْطِلَاحًا أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ (عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ) وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَالْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ عَلَى دَلِيلِهِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَعَلَى مَحَلِّهِ فَالْكُلُّ مِمَّا يَبْتَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إمَّا ابْتِدَاءً كَابْتِنَائِهِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَابْتِنَائِهِ عَلَى الْمَأْخَذِ وَالْمَحَلِّ إذْ أَصْلُ الْأَصْلِ أَصْلٌ فَلَا بُعْدَ فِي تَسْمِيَةِ أَحَدِ هَذِهِ بِالْأَصْلِ.
أَمَّا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ غَيْرِهِ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ لَا فَيَخْتَصُّ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ بِهِ بِكَوْنِهِ أَصْلًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحُكْمِ وَعَنْ دَلِيلِهِ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِهِ بِدُونِهِمَا وَافْتِقَارِهِمَا إلَيْهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِدُونِ الْفِعْلِ الْمَوْصُوفِ بِهِ وَالْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ بِدُونِ مَحَلِّهِ وَالدَّلِيلُ أَيْضًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُثْبِتَ الْحُكْمَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَمِنْ هُنَا قِيلَ كَوْنُ الْأَصْلِ الْمَحَلَّ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَتَمَّ فِي مَعْنَى الْأَصَالَةِ مِنْهَا لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مَا مَعْنَاهُ (الْجَامِعُ فَرْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ أَصْلُ حُكْمِ الْفَرْعِ) إذْ لَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ فَرْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ لِأَنَّ الْأَصَالَةَ وَالْفَرْعِيَّةَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ يُعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فِيهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ اسْتِنْبَاطَ الْجَامِعِ مِنْ الْحُكْمِ (يَخُصُّ) الْعِلَلَ (الْمُسْتَنْبَطَةَ) لَا الْمَنْصُوصَةَ وَهِيَ قَدْ تَكُونُ مَنْصُوصَةً فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مُشِيرًا إلَى هَذَا وَهَذَا الصَّحِيحُ انْتَهَى لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقِيقَةَ الِابْتِنَاءِ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ وَمُلَاحَظَةِ وَاسِطَةٍ.
(وَحُكْمُ الْأَصْلِ) وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ (وَالْفَرْعُ) وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ (الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ (أَوْ حُكْمُهُ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُشَبَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيِّ قِيلَ وَكَوْنُ الْفَرْعِ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهِ وَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ لَا مَحَلُّهُ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَمَّا سَمُّوا الْمَحَلَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ سَمَّى الْمَحَلَّ الْمُشَبَّهَ فَرْعًا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ أَوْ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ دَلِيلُ الْفَرْعِ وَكَيْفَ وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ لَيْسَ فَرْعًا لِدَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ (وَظَاهِرُ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنُهُ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ (وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِهِ فِيهِ أَنَّهُ) أَيْ رُكْنَ الْقِيَاسِ (الْعِلَّةُ الثَّابِتَةُ فِي الْمَحَلَّيْنِ) الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا جُعِلَ عِلْمًا أَيْ عَلَامَةً عَلَيْهِ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَوَافَقَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ حَيْثُ قَالَ: رُكْنُ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ حُكْمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ بَيْنِ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا اسْمُ النَّصِّ وَيَكُونُ الْفَرْعُ بِهِ نَظِيرًا لِلْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِاعْتِبَارِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute