فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْقِيَاسُ بِهَذَا الْوَصْفِ. انْتَهَى وَأَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَيْضًا فَقَالَ رُكْنُ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الصَّالِحُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي النَّصِّ وَسَاقَهُ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا بِسَمَرْقَنْدَ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ الرُّكْنُ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ عَلَى أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ الْأَوْلَى نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ لَا غَيْرَ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ عِلْمًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْعِلَلُ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ لَا مُوجِبَاتٌ ثُمَّ الْحُكْمُ إنْ كَانَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُضَافًا إلَى النَّصِّ وَفِي الْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ كَمَا عَلَيْهِ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَأَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُمْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ عِلْمًا عَلَى وُجُودِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ وَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَالشَّافِعِيُّ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ عِلْمًا عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ الَّذِي جُعِلَ عِلْمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا النَّصُّ إمَّا بِصِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ الرِّبَا عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ أَوْ بِغَيْرِ صِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيَّ لَمَّا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ النَّصِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ صِيغَةً أَوْ ضَرُورَةً وَالضَّمِيرُ فِي " لَهُ " وَ " حُكْمُهُ " لِلنَّصِّ وَفِي بِوُجُودِهِ لِمَا وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِي فِيهِ لِلْفَرْعِ أَيْ جَعَلَ الْفَرْعَ مُمَاثِلًا لِلْمَنْصُوصِ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ بِسَبَبِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنِيِّ فِي الْفَرْعِ.
وَقِيلَ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (وَالْمُرَادُ) بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ (ثُبُوتُهَا) فِيهِمَا (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُهَا فِيهِمَا (الْمُسَاوَاةُ الْجُزْئِيَّةُ) بَيْنَهُمَا فِيهَا (لَا) الْمُسَاوَاةُ (الْكُلِّيَّةُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةُ الْكُلِّيَّةُ (مَفْهُومُ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ الْمَحْدُودِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَالرُّكْنُ جُزْؤُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فِي الْوُجُودِ وَقَدْ يُخَالُ) أَيْ يُظَنُّ أَنَّ قَوْلَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْوَجْهُ (لِظُهُورِ أَنَّ الطَّرَفَيْنِ شَرْطُ النِّسْبَةِ كَالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُنَا لَا أَرْكَانُهَا) أَيْ النِّسْبَةِ (فَهُمَا) أَيْ الطَّرَفَانِ (خَارِجَانِ عَنْ ذَاتِ النِّسْبَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ خَارِجًا وَالرُّكْنِيَّةُ) إنَّمَا تَثْبُتُ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ (بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُتَوَقِّفِ جُزْءَ الْمُتَوَقِّفِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا عَدَا الْوَصْفَ الْجَامِعَ (ثُمَّ اسْتَمَرَّ تَمْثِيلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (مَحَلُّ الْحُكْمِ) يَعْنِي (الْأَصْلَ بِنَحْوِ الْبُرِّ وَالْخَمْرِ) فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ وَالنَّبِيذِ عَلَيْهِمَا فِي حُكْمِهِمَا (تَسَاهُلًا تُعُورِفَ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي التَّحْقِيقِ) مَحَلُّ الْحُكْمِ الْأَصْلُ (إلَّا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) كَمَا يُذْكَرُ (لَا الْأَعْيَانُ) الْمَذْكُورَةُ (فَفِي نَحْوِ النَّبِيذِ الْخَاصِّ) أَيْ الْمُسْكِرِ (مُحَرَّمٌ كَالْخَمْرِ الْأَصْلُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْفَرْعُ شُرْبُ النَّبِيذِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ) وَفِي الذُّرَةِ بِذُرَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا حَرَامٌ كَالْبُرِّ الْأَصْلُ بَيْعُ الْبُرِّ بِبُرٍّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَالْفَرْعُ بَيْعُ الذُّرَةِ بِذُرَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا) لَا مِثْلُهُ كَمَا سَلَفَ تَحْقِيقُهُ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْعِلْمَيْنِ ظَنٌّ لِجَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا وَالْفَرْعِ مَانِعًا (وَهُوَ) أَيْ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ (مَعْنَى التَّعْدِيَةِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْحَمْلِ) الْمَذْكُورِ فِي تَعَارِيفِ الْقِيَاسِ (فَتَسْمِيَتُهُ) أَيْ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ (تَعْدِيَةً اصْطِلَاحٌ فَلَا يُبَالَى بِإِشْعَارِهِ) أَيْ لَفْظِ التَّعْدِيَةِ (لُغَةً بِانْتِفَائِهِ) أَيْ الْحُكْمُ (مِنْ الْأَصْلِ) كَمَا أَوْرَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ التَّعْدِيَةَ.
وَهَذَا مَا وَعَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ وَأَوْرَدَ مَا سَيُذْكَرُ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا أَجَابَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ مِنْ قَوْلِهِ (بَلْ يُشْعِرُ) لَفْظُ التَّعْدِيَةِ (بِبَقَائِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ (كَقَوْلِنَا لِلْفِعْلِ مُتَعَدٍّ إلَى الْمَفْعُولِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ (ثَابِتٌ فِي الْفَاعِلِ) أَيْضًا (إثْبَاتَ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ) وَهَذَا خَبَرُ مَا قِيلَ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ بَقَاءُ الْمُتَعَدِّي فِي الْمُتَعَدِّي مِنْهُ (مِمَّا لَا يُشْعِرُ بِهِ) لَفْظُ التَّعْدِيَةِ (بَلْ) إنَّمَا يُشْعِرُ (بِانْتِقَالِهِ) أَيْ الْمُتَعَدَّى مِنْهُ (إذْ تَعَدِّي الشَّيْءِ إلَى آخَرَ انْتِقَالُهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute