فِيهِ بِبَيَانِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ وَمِنْ الْمَظِنَّاتِ الْحَسَنَةِ لَهُ كِتَابُ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ غَيْرَ أَنَّ بِالْجُمْلَةِ قَدْ حَطَّ آخِرُ كَلَامِ الْمُتَعَقِّبِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ خَصَّ هَذَا الْعُمُومَ بِمَا خَصَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَبِالسِّيَاقِ) أَيْ وَبِدَلَالَةِ سَوْقِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلَّفْظِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فَالسِّيَاقُ بِمَعْنَى السَّوْقِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُطْلَقُ غَالِبًا عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ، وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمُتَقَدِّمَةِ وَهَذَا خَامِسُ الْخَمْسَةِ (كَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا) أَوْ إنْ قَدَرْت (فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّوْكِيلَ بِهِ) أَيْ بِتَطْلِيقِهَا الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ طَلِّقْ امْرَأَتِي لِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ إظْهَارَ عَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ قُلْت وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَفِي قَوْلِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا الْحَقِيقَةُ مُمْتَنِعَةٌ عُرْفًا، انْتَهَى. فَيَنْدَرِجُ هَذَا فِي الْعُرْفِيِّ (وَيَأْتِي التَّخْصِيصُ بِفِعْلِ الصَّحَابِيِّ) فِي ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ مِنْ هَذِهِ ثُمَّ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ مُشْبَعًا.
[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ أَيْ الْعَامِّ]
(مَسْأَلَةُ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ) أَيْ الْعَامِّ (لَا يُخَصِّصُهُ) أَيْ الْعَامَّ (وَهُوَ) أَيْ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ مِنْهُ بِحُكْمِهِ (قَلْبُ الْمُتَعَارَفِ فِي التَّخْصِيصِ وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ (قَصْرُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَى غَيْرِ مُتَعَلِّقِ دَلِيلِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ، وَمُتَعَلِّقُ دَلِيلِهِ هُوَ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ (بَلْ هَذَا) أَيْ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْهُ بِحُكْمِهِ (قَصْرُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ مُتَعَلِّقِ دَلِيلِهِ الَّذِي هُوَ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ (مِثَالُهُ) مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (مَعَ قَوْلِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» ) فَلَا يَخُصُّ الطَّهُورِيَّةُ جِلْدَ شَاةِ مَيْمُونَةَ إذَا دُبِغَتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُهُبِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ بَلْ فِي الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ وَقَفْت عَلَيْهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ إلَى هَذَا اللَّفْظِ مَا أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَإِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهَا» فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهُ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ (أَوْ شَبَهُهُ) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» مَعَ) مَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَالْأَوْلَى مَعَ " وَتُرَابُهَا لَنَا طَهُورًا " كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتُّرْبَةِ مَا فِيهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ " أَوْ شَبَهُهُ " لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ التُّرَابُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ لَا جُزْءٌ لَهَا كَجِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيُّمَا إهَابٍ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلًّا بَعْضٌ مِنْ الْمُسَمَّى وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حُكْمُ الْمُسَمَّى ثُمَّ كَمَا أَنَّ إفْرَادَ بَعْضِ ذَاكَ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فَكَذَا إفْرَادُ بَعْضِ هَذَا بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ (لَنَا لَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الْبَعْضِ وَالْكُلِّ فِي حُكْمٍ حُكِمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا فَلَا يَخُصُّ الطَّهُورِيَّةُ التُّرَابَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ قَالُوا الْمَفْهُومُ مُخَصِّصٌ) لِلْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ
وَمَفْهُومُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ أَفْرَادِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ فَيَكُونُ مَفْهُومُ " دِبَاغُ جِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ طَهُورُهَا " دَالًّا عَلَى نَفْيِ طَهُورِيَّةِ مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إذَا دُبِغَ (قُلْنَا) كَوْنُ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرًا (مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ) اعْتِبَارُهُ (فَهَذَا) أَيْ مَفْهُومُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ (مَفْهُومُ لَقَبٍ مَرْدُودٍ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ الْفَرْدِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute