حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالَمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ فَرَفَعَ حُكْمَهُ الدُّنْيَوِيَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ نَقْصِدْ وَكَيْفَ وَقَدْ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَهُوَ الْقَاضِي (وَلَا يَنْفِيهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (الْحَدِيثُ) الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ إلَى آخِرِهِ أَيْ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ وَالْغَالِطُ غَيْر رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَقَوْلُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ مَشَايِخِنَا (لَفْظُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ لِأَنَّهَا) أَيْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ (عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا غَلَطٌ إذْ لَا تُنَافِي الْحَقِيقَةُ الْكِنَايَةَ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَقَوْلُهُمْ أَيْضًا فِي وَجْهٍ أَنَّهَا مَجَازٌ (الْكِنَايَةُ الْحَقِيقَةُ) حَالَ كَوْنِهَا (مُسْتَتِرَةَ الْمُرَادِ وَهَذِهِ) أَيْ كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ (مَعْلُومَتُهُ) أَيْ الْمُرَادِ (وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا يُرَادُ بِهَا) فَيَتَرَدَّدُ مَثَلًا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِيَ بَائِنٌ (أَبَائِنٌ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ النِّكَاحِ مُنْتَفٍ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ بِالتَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ) مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا إلَّا فِي الْوَضْعِيِّ (وَإِنَّمَا هِيَ مَعْلُومَةُ الْوَضْعِيِّ كَالْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ) بِكَوْنِهَا مَجَازًا (مَجَازِيَّةَ إضَافَتِهَا إلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ) مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ (أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّلَاقِ (وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَتْ كِنَايَةً عَنْهُ (وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا) مُطْلَقًا بِهَا لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ رَجْعِيٌّ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ أَوْ الثَّالِثُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ أَوْ الثَّانِي فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَلَيْسَ هِيَ مُطْلَقًا كَذَلِكَ بَلْ بَعْضُهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
[مَسَائِلُ الْحُرُوفِ جَرَى فِيهَا الِاسْتِعَارَةُ تَبَعًا كَالْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفً]
(مَسَائِلُ الْحُرُوفِ قِيلَ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: (جَرَى فِيهَا) أَيْ الْحُرُوفِ (الِاسْتِعَارَةُ تَبَعًا كَالْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفًا بِتَبَعِيَّةِ اعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ فِي الْمَصْدَرِ لِاعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهُ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ كُلِّيَّةٌ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فَيُسْتَعْمَلُ فِي جُزْئِيِّ الْمُشَبَّهِ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَرْفِيُّ لِلْحَرْفِ يَعْنِي كَمَا جَرَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفًا بِتَبَعِيَّةِ اعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا فِي الْمَصْدَرِ فَقَوْلُنَا: نَطَقَتْ الْحَالُ فَرْعُ تَشْبِيهِ الْحَالِ بِاللِّسَانِ ثُمَّ نِسْبَةُ النُّطْقِ إلَيْهَا ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ نَطَقَتْ فَصَارَ اسْتِعَارَةُ نَطَقَتْ تَبَعِيَّةُ اسْتِعَارَةِ النُّطْقِ هَكَذَا الْحَرْفُ يُعْتَبَرُ أَوَّلًا التَّشْبِيهُ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهُ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُنْدَرِجُ فِيهِ مَعْنَى الْحَرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُلِّيَّةِ بَيَانِهِ أَنَّ مَا تَذْكُرُهُ بِلَفْظِ اسْمٍ لِمَعْنَى حَرْفٍ لَيْسَ هُوَ عَيْنُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ الْمُفَادَ بِقَوْلِك مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ مَعْنَى مِنْ بَلْ تَبْعِيضُ كُلِّيٍّ وَمَعْنَى مِنْ تَبْعِيضُ جُزْئِيٍّ مَلْحُوظٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ التَّبْعِيضِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلًا التَّشْبِيهُ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُتَعَلِّقِ لِمَعْنَى الْحَرْفِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ الْحَرْفُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْهُ كَمَا شَبَّهَ تَرَتُّبَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ عَلَى الِالْتِقَاطِ بِتَرَتُّبِ الْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ عَلَى الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ فِيهَا اللَّامَ الْمَوْضُوعَةَ لِلتَّرَتُّبِ الْعَلِيِّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا) الْكَلَامُ (لَا يُفِيدُ وُقُوعَ) الْمَجَازِ (الْمُرْسَلِ فِيهَا) أَيْ فِي الْحُرُوفِ لِانْتِفَاءِ عِلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهَا (ثُمَّ لَا يُوجِبُ) هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا (الْبَحْثَ عَنْ خُصُوصِيَّاتِهَا فِي الْأُصُولِ لَكِنَّ الْعَادَةَ) جَرَتْ بِهِ (تَتْمِيمًا) لِلْفَائِدَةِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَذُكِرَتْ عَقِبَ مَبَاحِثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَيْهِمَا أَيْضًا
(وَهِيَ) أَيْ الْحُرُوفُ (أَقْسَامٌ حُرُوفُ الْعَطْفِ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ فَقَطْ) أَيْ بِلَا شَرْطِ تَرْتِيبٍ وَلَا مَعِيَّةٍ (فَفِي الْمُفْرَدِ) أَيْ فَهِيَ فِيهِ اسْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا حَالَ كَوْنِهِ (مَعْمُولًا) لِجَمْعِ الْمَعْطُوفِ (فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّة وَالْحَالِيَّةِ وَعَامِلًا) أَيْ وَحَالَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِجَمْعِ الْمَعْطُوفِ (فِي مُسْنَدِيَّتِهِ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute