للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ جَاهِهِ وَقَدْرِهِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ سَمِعْت الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا» وَإِلَى الْحُمَيْدِيِّ سَمِعْت سُفْيَانَ يَقُولُ مَا أَحَدٌ تَطَلَّبَ الْحَدِيثَ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ (فَأَيْنَ مَنْعُ خِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى وَهُوَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (فَإِنْ قِيلَ هُوَ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» أَفَادَ أَنَّهُ) أَيْ الرَّاوِيَ (قَدْ يَقْصُرُ لَفْظُهُ) عَنْ اسْتِيعَابِ أَدَاءِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ النَّبَوِيُّ مِنْ الْأَحْكَامِ (فَتَنْتَفِي أَحْكَامٌ يَسْتَنْبِطُهَا الْفَقِيهُ) بِوَاسِطَةِ نَقْلِهِ بِالْمَعْنَى

(قُلْنَا غَايَتُهُ) أَيْ قُصُورِ لَفْظِهِ عَنْ اسْتِيعَابِ ذَلِكَ (نَقْلُ بَعْضِ الْخَبَرِ بَعْدَ كَوْنِهِ حُكْمًا تَامًّا) وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ يُفَرَّقُ) بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَذْفِ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَاقِي تَعَلُّقًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (بِأَنْ لَا بُدَّ) لِلْحَاذِفِ (مِنْ نَقْلِ الْبَاقِي فِي عُمُرِهِ كَيْ لَا تَنْتَفِي الْأَحْكَامُ) الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ (بِخِلَافِ مَنْ قَصَرَ) لَفْظُهُ عَنْهَا (فَإِنَّهَا) أَيْ الْأَحْكَامَ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْهُ (تَنْتَفِي) لِعَدَمِ مُفِيدِهَا حِينَئِذٍ (بَلْ) الْجَوَابُ (الْجَوَازُ لِمَنْ لَا يُخِلُّ) بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ (لِفِقْهِهِ قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ أَيْضًا النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ) بِمَقْصُودِ الْحَدِيثِ (بِتَكَرُّرِ النَّقْلِ كَذَلِكَ) أَيْ بِالْمَعْنَى فَانْقَطَعَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي تَنَبُّهِ بَعْضِهِمْ عَلَى مَا لَا يَتَنَبَّهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَإِذَا قُدِّرَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَوَقَعَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَدْنَى تَغْيِيرٍ حَصَلَ بِالتَّكْرَارِ تَغْيِيرٌ كَثِيرٌ وَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ) لِلنَّقْلِ بِالْمَعْنَى حَالَةَ كَوْنِهِ (بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (يَنْفِيه) أَيْ أَدَاءَ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ خِلَافُ الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَفَى بِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ لَا إنْ لَمْ يَنْسَهُ لِفَوَاتِ الْفَصَاحَةِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قِيلَ يَجُوزُ إنْ كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا لَا إنْ كَانَ عَمَلًا وَمَا عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ وَمَوْقِعِ الْكَلَامِ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ تَعْرِيفُهُ]

(مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ) مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ أَيْ مَنْ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (الثِّقَةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) كَذَا (مَعَ حَذْفٍ مِنْ السَّنَدِ وَتَقْيِيدِهِ) أَيْ الْقَائِلِ (بِالتَّابِعِيِّ أَوْ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ) أَيْ التَّابِعِينَ كَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ (اصْطِلَاحٌ) لِلْمُحَدِّثِينَ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ بِالْمَشْهُورِ وَعُزِيَ الثَّانِي إلَى بَعْضِهِمْ (فَدَخَلَ) فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ (الْمُنْقَطِعُ) بِالِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ لِلْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ رُوَاتِهِ قَبْلَ الصَّحَابِيِّ رَاوٍ أَوْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَالْمُعْضَلُ) بِاصْطِلَاحِهِمْ الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ إسْنَادِهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَتَسْمِيَةُ قَوْلِ التَّابِعِيِّ مُنْقَطِعًا) كَمَا هُوَ صَنِيعُ الْحَافِظِ الْبَرْدِيجِيِّ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِحِكَايَةِ الْخَطِيبِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مَا رُوِيَ عَنْ التَّابِعِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ (خِلَافَ الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ فِيهِ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قَوْمًا يُسَمُّونَ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الَّذِي لَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْقَطِعًا لَا مُرْسَلًا لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ التَّابِعِيِّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ (الْمَقْطُوعُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ قَالَ وَجَدْت التَّعْبِيرَ بِالْمَقْطُوعِ عَنْ الْمُنْقَطِعِ غَيْرِ الْمَوْصُولِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَوَجَدْته أَيْضًا فِي كَلَامِ الْحُمَيْدِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ (فَإِنْ كَانَ) الْمُرْسِلُ صَحَابِيًّا (فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِهِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِ) أَبِي إِسْحَاقَ (الْإسْفَرايِينِيّ) لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ نَفْيِهِ) أَيْ قَبُولِهِ (إنْ عَلِمَ إرْسَالَهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَيْ وَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا أَيْضًا

فَإِنْ قُلْت فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ مِنْ الْفِتْيَانِ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَكَانَ يَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِذَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مَقْبُولًا وَإِنْ احْتَمَلَ الْإِرْسَالَ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ لَمْ يُحْمَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>