الْأَوَّلِ عِنْدَهَا (وَاحْتِمَالُ الْخَطَإِ فِيهِ لَمْ يَقْدَحْ) فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ (فَلَا يَجِبُ) الِاجْتِهَادُ (الْآخَرُ إلَّا بِمِثْلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ، وَالشَّرْطِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَنَّ تَكْرَارَهَا هَلْ هُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلنَّظَرِ ثَانِيًا فِيهَا مُسْتَجْمِعٌ لِشَرْطِ وُجُوبِهِ لَمْ يُفْصِحْ الْمُصَنِّفُ بِهِ وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا لُزُومُ التَّجْدِيدِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِدَلِيلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ رُجُوعَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعًا، وَإِنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لَزِمَهُ قَطْعًا انْتَهَى.
(قُلْت) : وَسَبَقَهُ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَمَّا ظَهَرَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَحَذَفَهُ لِقَرِينَةٍ مُقَابِلَةٍ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَزِمَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِي لُزُومِهِ مَعَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا نَظَرٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ مُتَأَخِّرٌ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَاجِحًا عَلَى مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عُمِلَ بِالْأَوَّلِ وَلَا يُعَدُّ الِاجْتِهَادُ وَإِلَّا أَعَادَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهُ، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ يَكُونُ أَخْذًا بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ إذْ لَا ثِقَةَ بِبَقَاءِ الظَّنِّ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَأَمُّلٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ حُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ بِالْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّنَّ السَّابِقَ قَوِيٌّ فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رُجْحَانِ غَيْرِهِ وَقَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ اجْتَهَدَ لِنَازِلَةٍ فَحَكَمَ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ إذَا كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا لَا يَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الِاجْتِهَادُ لَا يَسْتَأْنِفُهُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا فِي الْعَامِّيِّ يَسْتَفْتِي الْمُجْتَهِدَ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ تَقَعُ لَهُ ثَانِيًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ كَانَ قَدْ يَتَحَرَّى فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَأَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ الْفَتْوَى الْأُولَى يَجُوزُ تَغَيُّرُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا غَالِبًا، فَإِنْ قَرُبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِفْتَاءُ ثَانِيًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكْثُرْ وُقُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْعَامِّيِّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ قَطْعًا وَخَصَّ ابْنُ الصَّلَاحِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا قَلَّدَ حَيًّا وَقَطَعَ فِيمَا إذَا كَانَ خَبَرًا عَنْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِّيَّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّافِعِيِّ وَأَفَادَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ مُخَالَفَةِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: (لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ) بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (قَوْلَانِ) مُتَنَاقِضَانِ (لِلتَّنَاقُضِ، فَإِنْ عُرِفَ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا (تَعَيَّنَ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (رُجُوعًا) عَنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُتَأَخِّرُ (وَجَبَ تَرْجِيحُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ لِأَحَدِهِمَا (بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ) كَمَا فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ (وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُخَيَّرُ مُتَّبِعُهُ الْمُقَلِّدُ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَذَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ) الْمَذْكُورِ الْمُجْتَهِدُ (فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَتَرْجِيحُ) الْمُجْتَهِدِ (الْمُطْلَقِ بِشَهَادَتِهِ) أَيْ قَلْبِهِ (فِيمَا عَنَّ) أَيْ ظَهَرَ (لَهُ) نَفْسُهُ (وَالتَّرْجِيحُ هُنَا) لِأَحَدِهِمَا إنَّمَا هُوَ (عَلَى أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ) عَلَيْهِ (لِصَاحِبِهِمَا) أَيْ الْقَوْلَيْنِ (وَقَوْلُ الْبَعْضِ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (يُخَيَّرُ الْمُتَّبِعُ فِي الْعَمَلِ) بِأَيِّهِمَا شَاءَ (لَيْسَ خِلَافًا) لِمَا قَبْلَهُ (بَلْ) هُوَ (مَحِلٌّ آخَرُ ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ لَا التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَفِي بَعْضِهَا) أَيْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ (إنْ لَمْ يُعْرَفْ تَارِيخٌ) لِلْقَوْلَيْنِ (فَإِنْ نُقِلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مَا يُقَوِّيهِ فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمُقَوَّى هُوَ (الصَّحِيحُ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مَا يُقَوِّي أَحَدَهُمَا (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (مُتَّبِعٌ بَلَغَ الِاجْتِهَادَ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ (رَجَّحَ بِمَا مَرَّ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ إنْ وَجَدَ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَجِدْ (يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا اتَّبَعَ فَتْوَى الْمُفْتِي فِيهِ الْأَتْقَى الْأَعْلَمِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنْ) كَانَ (مُتَفَقِّهًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute