تَبِعَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَمِلَ بِمَا هُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ عِنْدَهُ) .
وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ أَنَّهُ إنْ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَافِيَانِ فَلَهُ حَالَانِ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَا مُرَادَيْنِ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ عَقِبَ أَحَدِهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْوِيَتِهِ كَهَذَا أَشْبَهُ، أَوْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلَيْنِ احْتِمَالَهُمَا لِوُجُودِ دَلِيلِينَ مُتَسَاوِيَيْنِ، أَوْ مَذْهَبُهُمْ لِمُجْتَهِدَيْنِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِأَنْ يَنُصَّ فِي كِتَابٍ عَلَى إبَاحَةِ شَيْءٍ وَفِي آخَرَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ مَنْسُوخًا، وَإِلَّا حُكِيَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالرُّجُوعِ.
(وَإِذْ نُقِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِيهَا قَوْلَانِ) كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، أَوْ فِي بِضْعَ عَشَرَةَ سِتَّ عَشَرَةَ، أَوْ سَبْعَ عَشَرَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَوْ فِي سِتَّ عَشَرَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ فِيمَا لَا يَبْلُغُ عَشْرًا كَمَا نَقَلَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ (حُمِلَ عَلَى أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ) فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِذَا، وَبَعْضُهُمْ بِذَا فَيُحْكَى قَوْلُهُمْ وَفَائِدَتُهُ أَنْ لَا يَتَوَهَّمَ مِنْ أَرَادَ مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ الذَّهَابَ إلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقِيلَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُمَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ فَيَطْلُبُ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا (أَوْ يَحْتَمِلُهُمَا) لِوُجُودِ تَعَادُلِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ: يَجِبُ اعْتِقَادُ نِسْبَةِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ، وَرُجُوعُهُ عَنْ الْآخَرِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ دُونَ نِسْبَتِهِمَا جَمِيعًا وَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَالنَّصَّيْنِ إذَا عَلِمْنَا نَسْخَ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْآمِدِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَمَلِ الْفُقَهَاءِ (أَوْلَى فِيهَا) قَوْلَانِ (عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ عِنْدَ التَّعَادُلِ) بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَتَعَقَّبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدَيْنِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ مِنْهُ بِالتَّخْيِيرِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ بِتَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ وَيَسْتَحِيلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا (أَوْ تَقَدَّمَا) أَيْ الْقَوْلَانِ (لِي) فَيَحْكِي قَوْلَيْهِ الْمُرَتَّبِينَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ حَيْثُ نَصَّ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَذْهَبٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا لِيَتَرَوَّى فِيهِمَا وَعَدَمُ اخْتِيَارِهِ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ رُتْبَةِ الرَّجُلِ وَتَوَسُّعِهِ فِي الْعِلْمِ وَعِلْمِهِ بِطَرِيقِ الْأَشْبَاهِ، فَإِنْ قِيلَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ إذْ لَيْسَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ وَلَا قَوْلَانِ عَلَى هَذَا قُلْنَا: هَكَذَا نَقُولُ وَلَا نَتَحَاشَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ ذِكْرُهُ لَهُمَا وَاسْتِقْصَاؤُهُ وُجُوهَ الْأَشْبَاهِ فِيهِمَا وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَوْلَيْنِ لِلْقَطْعِ فِيهِمَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ لَا النَّاقِلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِالْعَكْسِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلِيغِيُّ فِي الْغُرَرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْغَلَطُ فِي السَّمَاعِ كَانَ يُجِيبُ بِحَرْفِ النَّفْيِ إذَا سُئِلَ عَنْ حَادِثَةٍ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ فَيَشْتَبِهُ عَلَى الرَّاوِي فَيَنْقُلُ مَا سَمِعَ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلٌ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ وَيَعْلَمُ بَعْضُ مَنْ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ رُجُوعَهُ فَيَرْوِي الثَّانِيَ، وَالْآخَرُ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَرْوِي الْأَوَّلَ.
(قُلْت) : وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَالَ الثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْقُلُ كَمَا سَمِعَ (قُلْت) وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ تَعْيِينَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ غَالِبًا هُوَ الْأَوَّلَ غَالِبًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَالْقِيَاسُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَسْمَعُ كُلٌّ كُلًّا فَيَنْقُلُهُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ كِلَاهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي إحْدَاهُمَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ هِيَ مَاشِيَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute