إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ) حَتَّى هَذَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَفَرْعُ دَعْوَانَا) أَنَّ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَيُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ مَجَازًا؛ إذْ هُوَ مُفِيدٌ أَنَّ الْعُمُومَ أَصْلٌ وَالْخُصُوصَ عَارِضٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُهُ (الِاشْتِرَاكُ ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ لَهُمَا) أَيْ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْجَوَابُ لَوْ لَمْ يُثْبِتْ مَا ذَكَرْنَا)
مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَلِلْخُصُوصِ مَجَازًا (الْمُفَصَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عُمُومِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ) أَيْ عُمُومُهُ (بِالطَّلَبِ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّلَبُ عَامًّا لَمْ يَكُنْ التَّكْلِيفُ عَامًّا (قُلْنَا: وَكَذَا الْإِخْبَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ مِثْلُ نَحْنُ عَلَيْك) فَإِنَّ هَذَا إخْبَارٌ بِمَا فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَافُ الْخِطَابِ الْمُفْرَدُ الْمَجْرُورُ، وَذَلِكَ نَحْوُ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَتَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهَا (بِحَالِ الْكُلِّ) فَإِنَّا مُكَلَّفُونَ عُمُومًا بِمَعْرِفَتِهَا أَيْضًا لِلِانْقِيَادِ إلَى الطَّاعَاتِ وَالِانْزِجَارِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي التَّكْلِيفِ (وَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ) أَيْضًا فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الطَّلَبِ، وَلَا فِيهَا مُطْلَقًا (بَعْدَ اسْتِدْلَالِنَا) لِلْمُخْتَارِ بِمَا تَقَدَّمَ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ
[الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا]
(الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَسَيُعَيِّنُ مِنْهُمْ فَخْرَ الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشْفِ ذَكَرَ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ النَّكِرَةَ لَيْسَ بِعَامٍّ لِظُهُورِهِ فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ النَّكِرَةِ، وَكَأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْعَامُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَةُ كُلِّ جَمْعٍ رَدَّ قَوْلَ الْعَامِّ، وَاخْتَارَ أَنَّ الْكُلَّ عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الْقِلَّةِ يَكُونُ لِلْعُمُومِ يَكُونُ الْعُمُومُ فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَةِ، وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنْ يَشْمَلَ الْكُلَّ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعُمُومِ عِنْدَهُ الِاسْتِغْرَاقُ (لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّ رِجَالًا لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُمْ) أَيْ جَمَاعَاتِ الرِّجَالِ (كَرَجُلٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْضًا عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُ لِسَائِرِ الْوُحْدَانِ (فَلَيْسَ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (عَامًّا) كَمَا أَنَّ رَجُلًا كَذَلِكَ.
(فَمَا قِيلَ) فِي إثْبَاتِ عُمُومِهِ كَمَا فِي الْبَدِيعِ مَا مَعْنَاهُ (الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ) لِكُلِّ جَمْعٍ (مِنْ مَرَاتِبِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (فَيُحْمَلُ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُسْتَغْرِقَةِ (لِلِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ حِينَئِذٍ (بَعُدَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الْمُسْتَغْرِقَةِ وَهِيَ الْأَقَلُّ (أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ) بِهِ وَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَالْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَطَرْحُ الْمَشْكُوكِ أَوْلَى، وَيَتَأَيَّدُ هَذَا فِي التَّكَالِيفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (وَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ لَا يَسْتَمِرُّ) فِي الْمُسْتَغْرِقَةِ (بَلْ يَكُونُ) الِاحْتِيَاطُ (فِي عَدَمِهِ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ (لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ (مَفْهُومُهُ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرِ (وَأَيْنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ مَا صَدَقَاتِهِ) الَّذِي هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ (لِلِاحْتِيَاطِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ مَفْهُومُهُ وَضْعًا.
(وَأَمَّا إلْزَامُ نَحْوِ رَجُلٍ) لِمُثْبَتٍ عُمُومُهُ بِأَنْ يُقَالَ: هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجُمُوعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَرَجُلٍ لِلْوَاحِدِ أَيَّ وَاحِدٍ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْعُمُومِ كَمَا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ نَحْوَ رَجُلٍ (لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ) الْمَرْتَبَةُ (الْمُسْتَغْرِقَةُ) لِسَائِرِ الْأَفْرَادِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهَا (بِخِلَافِ رِجَالٍ فَإِنَّهُ لِلْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْتَغْرِقِ وَغَيْرِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute