فِي مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ (الصَّعِيدُ) فَإِنَّهُ (خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ فَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالصَّعِيدِ (مَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ إلَى وُجُودِ النَّاقِضِ فَالْأَصَالَةُ وَالْخَلَفِيَّةُ بَيْنَ الْآلَتَيْنِ فَيَجُوزُ إمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ لِلْمُتَوَضِّئِ لِوُجُودِ شَرْطِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ كُلٍّ فَيَجُوزُ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْغَاسِلِ عَلَى الْمَاسِحِ مَعَ أَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ مِنْ الرَّجُلِ فِي قَبُولِ الْحَدَثِ وَرَفْعِهِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَلِمُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ أَنَّ الْأَصَالَةَ وَالْخَلَفِيَّةَ (بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ) أَيْ التَّيَمُّمِ وَكُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ (فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ) أَيْ أَنْ يَثْبُتَ بِالصَّعِيدِ مَا يَثْبُتُ بِالْمَاءِ (وَلَا يُصَلِّي الْمُتَوَضِّئُ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ) الْمُحْدِثَ (بِالْفِعْلِ) فَقَالَ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] (ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْفِعْلِ) عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]
(وَلَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى (نَقَلَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ) إلَى الصَّعِيدِ حَيْثُ قَالَ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَكَانَ) الْمَاءُ هُوَ (الْأَصْلُ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بَعْدَ اتِّفَاقهمْ عَلَى كَوْنِ الْخَلَفِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى غَايَةِ وُجُودِهِ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وُضُوءًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَغُسْلًا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ إلَّا مَا قِيلَ فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ فِي الْمِصْرِ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ فَصَلَّى وَحَضَرَتْ أُخْرَى وَلَمْ يَجِدْ بَيْنَهُمَا وَقْتًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِيهِ أَنَّ الْخِلَافَةَ ضَرُورِيَّةٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَذْكُرُهُ لِلشَّافِعِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّانِيَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَحْسَنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ خَلَفٌ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَثْبُتُ خَلْفِيَّتُهُ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الذِّمَّةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمِنْ ثَمَرَاتِ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ فَرَائِضَ وَنَوَافِلَ خِلَافًا لَهُ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ جَعْلَ الصَّعِيدِ أَوْ التَّيَمُّمِ خَلَفًا عَنْ الْمَاءِ أَوْ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ مَعَ كَوْنِهِ لَهُ حُكْمٌ بِرَأْسِهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ يَنْفِي كَوْنَهُ خَلْفًا عَنْ الْأَصْلِ بَلْ يُفِيدُ كَوْنُهُ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَمَّا أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فِيمَا لَهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ وَتَكْثِيرًا لِلْخَيْرَاتِ فَمَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَهُوَ لَا يَخْلُ بِمَعْنَى الْإِطْلَاقِ هَذَا (وَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيق الْخَلَفِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْأَصْلِ) فِي الْحَالِ الْعَارِضِ إذْ لَا مَعْنَى إلَى الْمَصِيرِ إلَى الْخَلَفِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ (وَ) مِنْ (إمْكَانِهِ) أَيْ الْأَصْلِ لِيَصِيرَ السَّبَبُ مُنْعَقِدًا لِلْأَصْلِ ثُمَّ بِالْعَجْزِ عَنْهُ يَتَحَوَّلُ الْحُكْمُ عَنْهُ إلَى الْخَلَفِ (وَإِلَّا) فَحَيْثُ لَا إمْكَانَ لِوُجُودِ أَمْرٍ مَا (فَلَا أَصْلَ) أَيْ فَلَا يُوصَفُ ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْأَصَالَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُودِهِ فِي ذَاتِهِ (فَلَا خَلَفَ) أَيْ فَلَا يُوصَفُ ذَلِكَ الْغَيْرُ بَالْخَلَفِيَّةِ عَنْهُ أَيْضًا وَمِنْ هُنَا لَزِمَ التَّكْفِيرُ
مَنْ حَلَفَ لَيَمَسَّنَّ السَّمَاءَ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِإِمْكَانِ مَسِّ السَّمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ إلَيْهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَعَدَ إلَيْهَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ إلَّا أَنَّهُ مَعْدُومٌ عُرْفًا وَعَادَةً فَانْتَقَلَ الْحُكْمُ مِنْهُ إلَى الْخَلَفِ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَلْزَمْ مَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا كَانَ أَوْ ثُبُوتِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَاضِي لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْبَرُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ]
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ (الْمَحْكُومُ فِيهِ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ) اعْتِرَاضٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِهِ وَهُوَ (فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) يُرِيد أَنَّ التَّعْبِيرَ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالْمَحْكُومِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذْ لَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ حَكَمَ فِي الْفِعْلِ بِالْوُجُوبِ بِالْمَنْعِ بِالْإِطْلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ فِي مَنْعِهِ حُكْمٌ بِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَلَا فِي إطْلَاقِهِ وَالْإِذْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُخَالُ ذَلِكَ فِي إيجَابِهِ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ أَنْ لَيْسَ إيجَابُهُ أَيْ إيجَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute