للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: ١٧] {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: ١٨] وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (قَالُوا لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ غَيْرَهُ (كَانَ) الْعُمُومُ (تَحَكُّمًا بِأَحَدِ مَجَازَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ) ثَلَاثَةٍ (نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ فَقَطْ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِ الْجَوَابِ نَصًّا فِي الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ الْخَاصِّ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَرَدَ الْعَامُّ دُونَ غَيْرِهِ. (أَوْ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ (مَعَ الْكُلِّ) أَيْ سَائِرِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَصٌّ فِي بَعْضٍ وَظَاهِرٌ فِي الْبَاقِي. (أَوْ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ مَعَ (الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا (قُلْنَا: لَا مَجَازَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ (بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى) الَّذِي لَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ لَهُ (لَا بِكَيْفِيَّةِ الدَّلَالَةِ) مِنْ الظُّهُورِ وَالنُّصُوصِ (وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ) اللَّفْظُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فَرْدِهِ السَّبَبِيِّ وَبَاقِي أَفْرَادِهِ (فَهُوَ حَقِيقَةٌ) فِي الْعُمُومِ (وَأَيْضًا نَمْنَعُ نُصُوصِيَّتَهُ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ (بَلْ تَنَاوُلُهُ لِلسَّبَبِ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْأَفْرَادِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِخَارِجٍ) عَنْ اللَّفْظِ، وَهُوَ لُزُومُ انْتِفَاءِ الْجَوَابِ (الْقَطْعُ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ (مِنْ الْحُكْمِ) .

لَكِنْ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَارِجَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ (مُحَقِّقٌ لِلنُّصُوصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ النُّصُوصِيَّةَ (أَبَدًا لَا تَكُونُ مِنْ ذَاتِ اللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ) اللَّفْظُ (عَلَمًا إنْ لَمْ يَتَجَوَّزْ بِهَا) أَيْ بِالْأَعْلَامِ فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا فَهِيَ كَغَيْرِهَا إنَّمَا تَكُونُ نُصُوصِيَّتُهَا بِخَارِجٍ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا فَرْضُ مَا هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ فَخْرَ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ صَرَّحَا بِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ، وَالتَّجَوُّزُ بِهَا فَرْعُ كَوْنِهَا حَقِيقَةً. قُلْتُ: مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمَجَازَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ الْأَعْلَامِ فَلَا يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ وَفِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ.

[الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ]

(الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ) أَيْ الْخَاصِّ (الْمَجَازَ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهُ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الِاتِّفَاقُ عَلَى احْتِمَالِ الْخَاصِّ الْمَجَازَ (الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ) الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيِّ) لِلْخَاصِّ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِهَا يَمْنَعُ احْتِمَالَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَلْزُومًا وَلَازِمًا بَحْثًا يُوجِبُ مَنْعَهُ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا (وَإِنَّ هَذَا الْقَطْعَ) الْمَنْسُوبَ إلَى دَلَالَةِ الْخَاصِّ (لَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ مُطْلَقًا) ، وَإِنَّمَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ (وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِهِ) أَيْ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ (عَلَى الْعَامِّ فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ (وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ جُمْهُورُ مَشَايِخِ الْعِرَاقُ وَعَامَّة الْمُتَأَخِّرِينَ. (نَعَمْ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (وَأَبُو مَنْصُورٍ) الْمَاتُرِيدِيُّ (وَجَمَاعَةٌ) ، وَهُمْ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ (كَالْأَكْثَرِ لِكَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ) أَيْ الْعَامِّ مِنْ إطْلَاقِهِ (سَوَاءٌ سُمِّيَ) كَوْنُ بَعْضِهِ مُرَادًا (تَخْصِيصًا اصْطِلَاحِيًّا أَوْ لَا كَثْرَةَ تُجَاوِزُ الْحَدَّ، وَتَعْجِزُ عَنْ الْعَدِّ حَتَّى اُشْتُهِرَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ، وَهَذَا) الْعَامُّ أَيْضًا (مِمَّا خُصَّ بِنَحْوِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢] {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: ٢٥٥] لِعَدَمِ تَخْصِيصِ مَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ الْعُمُومِ (فِي قِلَّةٍ مِمَّا لَا يُحْصَى وَمِثْلُهُ) أَيْ وُجُودِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ (يُورِثُ الِاحْتِمَالَ فِي) الْعَامِّ (الْمُعَيَّنِ) جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الْكَثِيرُ الْغَالِبُ (فَيَصِيرُ) كَوْنُ الْمُرَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>