للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ تَفَاوُتُهُمَا مَا فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَ كَوْنِ الْآخَرِ) الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ (قَرِيبًا) مِنْ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مُحَصِّلًا فِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ بِخُصُوصِهِ مَا حَصَّلَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ (بَلْ) ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْمَطْلُوبِ الْخَاصِّ (مِثْلُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فِيهِ (وَسَعَتُهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ (بِحُصُولِ مَوَادَّ أُخْرَى لَا تُوجِبُهُ) أَيْ التَّفَاوُتَ فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِيهِ (فَإِذَا وَقَعَ) الِاجْتِهَادُ (فِي) مَسْأَلَةٍ (صَلَوِيَّةٍ) أَيْ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّلَاةِ (وَفَرْضُ) وُجُودِ (مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ فَسَعَةُ الْآخَرِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ (بِحُضُورِ مَوَادِّ) الْأَحْكَامِ (الْبَيْعِيَّاتِ وَالْغَصْبِيَّاتِ) وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَثَلًا (شَيْءٌ آخَرُ) لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَحَيْثُ لَمْ يَقْدَحْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُطْلَقِ فَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا مَا قِيلَ) مِنْ قِبَلِ الْمُثْبِتِينَ (لَوْ شُرِطَ) عَدَمُ التَّجَزُّؤِ لِلِاجْتِهَادِ (شُرِطَ فِي الِاجْتِهَادِ الْعِلْمُ بِكُلِّ الْمَآخِذِ) أَيْ الْأَدِلَّةِ.

(وَيَلْزَمُ) هَذَا (عِلْمُ كُلِّ الْأَحْكَامِ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ تَوَقَّفُوا فِي مَسَائِلَ بَلْ لَمْ يُحِطْ أَحَدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عِلْمًا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْمَآخِذِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ (لِلْوَقْفِ بَعْدَهُ) أَيْ الْعِلْمِ بِكُلِّ الْمَآخِذِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ (عَلَى الِاجْتِهَادِ) ثُمَّ قَدْ يُوجَدُ الِاجْتِهَادُ وَلَا يُوجَدُ الْحُكْمُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ الْإِطْلَاعِ عَلَى مُرَجِّحٍ أَوْ لِتَشْوِيشِ فِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قُلْت ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ صِحَّةِ جَوَازِ التَّجَزُّؤِ بِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ضَبْطِ مَأْخَذِ الْمَسْأَلَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا لَا مُوجِبَ لَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ: الْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ كُلِّيًّا كَقُوَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ مَجَازِيِّ الْكَلَامِ، وَمَا يُقْبَلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَا يُرَدُّ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِجْمَاعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ دَلِيلٍ وَمَدْلُولٍ فَلَا تَتَجَزَّأُ تِلْكَ الْأَهْلِيَّةُ، وَمَا كَانَ خَاصًّا بِمَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ أَوْ بَابٍ، فَإِذَا اسْتَجْمَعَهُ الْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْبَابِ أَوْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ الْمَسَائِلِ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ فَرْضُهُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الِاجْتِهَادَ دُونَ التَّقْلِيدِ فَحَسَنٌ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَوْلٌ مُفَصَّلٌ بَيْنَ الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُطْلِقِينَ لِتَجَزِّي الِاجْتِهَادِ. غَايَتُهُ أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(وَأَمَّا الْعَدَالَةُ) فِي الْمُجْتَهِدِ (فَشَرْطُ قَبُولِ فَتْوَاهُ) فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ لَا شَرْطُ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاسِقِ قُوَّةَ الِاجْتِهَادِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَلَا عِلْمُ الْكَلَامِ وَلَا عِلْمُ الْفِقْهِ لِإِمْكَانِ حُصُولِ قُوَّةِ الِاجْتِهَادِ بِدُونِهَا وَانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ لِاشْتِرَاطِهَا، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِلْمُ الْكَلَامِ فَقَالُوا: لِجَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِلْجَازِمِ بِالْإِسْلَامِ تَقْلِيدًا، وَأَمَّا عِلْمُ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الِاجْتِهَادِ وَثَمَرَتُهُ. نَعَمْ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُمَارَسَتِهِ فَهُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ.

[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

(مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) الْمُتَأَخِّرِينَ مَا عَنْ أَكْثَرِهِمْ (أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَأْمُورٌ) فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا (بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ أَوَّلًا مَا كَانَ رَاجِيهِ) أَيْ الْوَحْيِ (إلَى خَوْفِ فَوْتِ الْحَادِثَةِ) بِلَا حُكْمٍ (ثُمَّ بِالِاجْتِهَادِ) ثَانِيًا إذَا مَضَى وَقْتُ الِانْتِظَارِ، وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَحْيِ إلَيْهِ فِيهَا إذْنٌ فِي الِاجْتِهَادِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ كَوْنُ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ مُفَسَّرَةً بِهَذَا، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَوَادِثِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (فِي حَقِّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَخُصُّ الْقِيَاسَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (فَفِي دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ) عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا لِعُرُوضِ خَفَاءٍ وَاشْتِبَاهٍ فِيهِ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فِيهَا الِاجْتِهَادُ (وَ) فِي (الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِ الْعَامِّ وَ) بَيَانُ (الْمُرَادِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَبَاقِيهَا) أَيْ الْأَقْسَامِ الَّتِي فِي دَلَالَتِهَا عَلَى الْمُرَادِ خَفَاءٌ مِنْ الْمُجْمَلِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ وَالْمُتَشَابِهِ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ الرَّاسِخِ فِي الْعِلْمِ بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ غَيْرَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُجْمَلِ يَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْفَحْصِ عَمَّا جَاءَ مِنْ بَيَانِهِ مِنْ قِبَلِ الْمُجْمَلِ لِيَقِفَ عَلَى مُرَادِهِ مِنْهُ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْبَيَانُ مُحْتَاجًا فِي تَحَقُّقِ الْمُرَادِ بِهِ إلَى نَوْعِ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ قَدْ يُنَالُ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>