للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَوَتْ الْقَضَاءَ وَإِلَّا نَوَتْ الْأَدَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[الْمَوْتُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

(وَأَمَّا الْمَوْتُ) وَعَزَى إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] وَإِلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ وَأَنَّ الْخَلْقَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ وَلَا فَنَاءٍ صِرْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ انْقِطَاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَتُهُ وَتَبَدُّلُ حَالٍ وَانْتِقَالٌ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ (فَيَسْقُطُ بِهِ) عَنْ الْمَيِّتِ (الْأَحْكَامُ الْأُخْرَوِيَّةُ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الدُّنْيَوِيَّةِ (التَّكْلِيفِيَّةُ كَالزَّكَاةِ) وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (وَغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَلَا عَجْزَ فَوْقَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ (إلَّا الْإِثْمَ) بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ فِي فِعْلِهِ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالْمَيِّتُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْيَاءِ فِيهَا (وَمَا شُرِعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (لِحَاجَةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ (حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنٍ بَقِيَ) ذَلِكَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ (بِبَقَائِهَا) أَيْ تِلْكَ الْعَيْنِ (كَالْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ (لِصَاحِبِهِ لَا الْفِعْلِ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُصُولَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ حَقِّهِ (لَوْ ظَفَرَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ صَاحِبُهُ كَانَ (لَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِهَا فِعْلُهَا عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَدْ فَاتَ الِاخْتِيَارُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى التَّكْلِيفُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَاتِ هَذَا (لَوْ ظَفَرَ الْفَقِيرُ بِمَالِ الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا تَسْقُطُ) الزَّكَاةُ عَنْ مَالِكِهِ (بِهِ) أَيْ بِأَخْذِهِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ (وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ (دَيْنًا لَمْ يَبْقَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ لِضَعْفِهَا بِالْمَوْتِ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ ضَعْفِهَا (بِالرِّقِّ) فَإِنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْإِعْتَاقِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْمَوْتُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ عَادَةً (بَلْ) إنَّمَا يَبْقَى (إذَا قَوِيَتْ) ذِمَّتُهُ (بِمَالٍ) تَرَكَهُ (أَوْ كَفِيلٍ) بِهِ (قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الِاسْتِيفَاءِ) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ (وَذِمَّةُ الْكَفِيلِ تُقَوِّي ذِمَّةَ الْمَيِّتِ) .

؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ) بِأَنْ مَاتَ مُفْلِسًا وَلَا كَفِيلَ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ (لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ (لِانْتِقَالِهِ) أَيْ مَا عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْأُولَى لِسُقُوطِهِ عَنْ ذِمَّتِهِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ لِخُرُوجِهَا بِهِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ) بِمَا يُطَالِبُ بِهِ الْأَصِيلُ (لَا تَحْوِيلُ الدَّيْنِ) عَنْ الْأَصِيلِ إلَى الْكَفِيلِ (وَلَا مُطَالَبَةَ) لِلْأَصِيلِ (فَلَا الْتِزَامَ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا (بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ تَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ (لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَائِمَةٌ) لِكَوْنِهِ حَيًّا مُكَلَّفًا وَالْمُطَالَبَةُ ثَابِتَةٌ، إذْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيُطَالِبَ فِي الْحَالِ أَوْ يَعْتِقَهُ فَيُطَالِبَ بَعْدَهُ فَصَحَّ الْتِزَامُهَا بِالْكَفَالَةِ وَإِذَا صَحَّتْ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْ الْأَصِيلِ لِعُذْرِ عَدَمٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ كَمَنْ كَفَلَ دَيْنًا عَلَى مُفْلِسٍ حَيٍّ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قِيلَ ضَمُّ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ إلَى ذِمَّتِهِ لِاحْتِمَالِ الدَّيْنِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا غَيْرَ كَامِلَةٍ وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْحُرِّ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ (وَإِنَّمَا انْضَمَّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى ذِمَّتِهِ (مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ فِيمَا ظَهَرَ) وَالْأَوْلَى إذَا ظَهَرَ الدَّيْنُ (فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِيُبَاعَ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِيُمْكِنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ غَيْرُ كَامِلَةٍ.

(وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ الْمَذْكُورَةُ (عِنْدَهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بَلْ عَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِأَنَّ بِالْمَوْتِ لَا يَبْرَأُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ مُبَرِّئًا لِلْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَمُبْطِلًا لَهَا (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَرِّئٍ مِنْهَا (يُطَالَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ إجْمَاعًا وَفِي الدُّنْيَا إذَا ظَهَرَ مَالٌ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الْمَيِّتِ) بِأَدَاءِ الدَّيْنِ (حَلَّ أَخْذُهُ وَلَوْ بَرِئَتْ) ذِمَّتُهُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ (لَمْ يَحِلَّ) أَخْذُهُ (وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ) لِلْمَيِّتِ (لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا) أَيْ الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِهِ (كَكَوْنِهِ) أَيْ الْأَصِيلِ (مُفْلِسًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ) جَابِرٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَدِيثِ (بِاحْتِمَالِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>