أَيْ قَوْلِهِ هُمَا عَلَيَّ (الْعِدَّةُ) بِوَفَائِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ لِلْعِدَةِ (الظَّاهِرُ إذْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ) بِلَا خِلَافٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ كَانَ مَجْهُولًا وَإِلَّا لَذُكِرَ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِلْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هِيَ عَلَيْك وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهَا بَرِيءٌ فَقَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ عَلِمَ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ حِينَ كَفَلَهَا.
وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ هُمَا عَلَيَّ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْإِنْشَاءِ لِلْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارِ بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ قُلْت وَيُعَكِّرُهُ مَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ الدِّينَارَانِ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْفَى اللَّهُ الْغَرِيمَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ «ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ أَيْ بِجِنَازَةٍ ثَالِثَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ.
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يُقَوِّي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ (وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ رَاجِعَةٌ إلَى الْإِثْمِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى بَقَاءِ الذِّمَّةِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهَا وَبِظُهُورِ الْمَالِ تَقَوَّتْ بَلْ) كَانَتْ قَوِيَّةً حِين عُقِدَتْ الْكَفَالَةُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَالُ وَلَكِنْ كَانَتْ قُوَّتُهَا خَفِيَّةً فَلَمَّا ظَهَرَ الْمَالُ (ظَهَرَ قُوَّتُهَا وَهُوَ) أَيْ تَقَوِّيهَا (الشَّرْطُ) لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ عَنْهَا (حَتَّى لَوْ تَقَوَّتْ بِلُحُوقِ دَيْنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ (بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ بِهَا أَيْ بِالْبِئْرِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعِيَّةٌ (حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْحَافِرِ (فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ السَّبَبِ الْحَفْرِ الثَّابِتِ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ) الصَّالِحَةِ لِلْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْنِي الْحَيَاةَ (وَالْمُسْتَنِدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ) ثُمَّ يَسْتَنِدُ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ (اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ ثُبُوتِهَا (بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ (وَصِحَّةُ التَّبَرُّعِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ) الدَّيْنُ.
(وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ وَالسُّقُوطُ بِالْمَوْتِ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ) السُّقُوطُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ فَوْتِ الْمَحَلِّ (فَيَظْهَرُ) السُّقُوطُ (فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ لَا) فِي حَقِّ (مَنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ) الْمَشْرُوعُ عَلَيْهِ مَشْرُوعًا (بِطَرِيقِ الصِّلَةِ لِلْغَيْرِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ سَقَطَتْ) هَذِهِ الصِّلَاتُ بِالْمَوْتِ (لِأَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ الرِّقِّ) فِي تَأْثِيرِ ضَعْفِ الذِّمَّةِ (وَلَا صِلَةَ وَاجِبَةٌ مَعَهُ) أَيْ الرِّقِّ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ) أَيْ بِالْمَشْرُوعِ صِلَةً (فَيُعْتَبَرُ كَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ هَذَا الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ (مِنْ الثُّلُثِ) لِتَصْحِيحِ الشَّارِعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَظَرًا لَهُ (وَأَمَّا مَا شُرِعَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (فَيَبْقَى مِمَّا لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (إلَيْهِ حَاجَةٌ قَدْرَ مَا تَنْدَفِعُ) الْحَاجَةُ (بِهِ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى وَقَوْلُهُ (مِنْ التَّرِكَةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِمَّا لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا (دَيْنًا) أَيْ إيفَاءً لَهُ (وَوَصِيَّةً) أَيْ تَنْفِيذًا لَهَا مِنْ الثُّلُثِ (وَجِهَازًا) أَيْ وَتَجْهِيزًا لَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (وَيُقَدَّمُ) التَّجْهِيزُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَفِي هَذِهِ) الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا (صَاحِبُ الْحَقِّ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ) مِنْ تَجْهِيزِهِ لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَتَقَدَّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِبَقَاءِ مَالِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ (بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (إلَى ثَوَابِ الْعِتْقِ) فَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» (وَحُصُولُ الْوَلَاءِ) الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي هِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ حَاصِلَةٌ فِي عَوْدِ الْمُكَاتَبِ إلَى الرِّقِّ.
(وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ عَنْ وَفَاءٍ) لِلْكِتَابَةِ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (إلَى الْمَالِكِيَّةِ) لِلْأَمْوَالِ (الَّتِي عَقَدَ لَهَا) عَقْدَ الْكِتَابَةِ (وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي حَالِهَا) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute