للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الشُّرُوعِ قَبْلَ النِّيَّةِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لُحُوقُ نِيَّتِهِ فِي الْأَكْثَرِ أَوَّلًا لَا بُطْلَانُهَا فَإِنْ لَحِقَتْ انْسَحَبَ عَلَى تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتِ حُكْمُهُمَا وَإِلَّا زَالَ التَّوَقُّفُ وَحُكِمَ بِبُطْلَانِهَا (وَذَلِكَ) أَيْ التَّوَقُّفُ (فِي الْوُجُوبِ) إنَّمَا هُوَ (فِي) لَازِمٍ (مُعَيَّنٍ) بِالضَّرُورَةِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي مُعَيَّنٍ خَبَرُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بِخِلَافِ نَحْوِ) صَوْمِ (الْكَفَّارَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ يَوْمُهَا لِلْوَاجِبِ) أَيْ لَمْ يُثْبِتْ الشَّرْعُ فِيهِ الْوُجُوبَ قَبْلَ النِّيَّةِ حَتَّى جَازَ فِطْرُهُ (فَلِمَشْرُوعِ الْوَقْتُ) أَيْ فَكَانَ الْمَشْرُوعُ فِيهِ مَشْرُوعُ الْوَقْتِ (وَهُوَ النَّفَلُ) فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَانَتْ تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتُ السَّابِقَةُ عَلَى النِّيَّةِ مُتَوَقِّفَةً لِصَوْمِ النَّفْلِ فَلَا تَنْسَحِبُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَلَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بَلْ إمَّا نَفْلًا أَوْ فِطْرًا وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ بِالتَّوَقُّفِ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُفِيدُ اعْتِبَارَهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ النَّفَلُ (الْأَصْلُ) فِي الِاعْتِبَارِ (إذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْوِيهِ مِنْ النَّهَارِ) كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيَصِيرُ بِهِ صَائِمًا كُلَّ الْيَوْمِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوَقُّفِ

(وَهَذَا) التَّوْجِيهُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صَائِمٌ كُلَّ الْيَوْمِ) وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعِنْدَنَا يَصِيرُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ قَهْرِ النَّفْسِ وَهُوَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِإِمْسَاكٍ مُقَدَّرٍ فَيُعْتَبَرُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِهِ انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ إذَا حُكِمَ لَهُ بِصَوْمِ الْبَعْضِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِالصَّوْمِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا لَوْ نَسِيَ الصَّوْمَ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ نِيَّتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ) الْمَرْوِيُّ بِكَثْرَتِهِمْ (الشُّهْرَةَ) فَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ الْحَدِيثُ الَّذِي بَلَغَ بِكَثْرَتِهِمْ حَدَّ الشُّهْرَةِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ بِكَثْرَتِهِمْ حَدَّهَا وَتَعَرَّضَ لِلشُّهْرَةِ دُونَ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَجِّحَةً فَالتَّوَاتُرُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ حَدَّهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّهَا (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُمْ (خِلَافَهُ) أَيْ خِلَافَ قَوْلِهِمَا فَيُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَرْوِيُّ بِكَثْرَتِهِمْ حَدَّ الشُّهْرَةِ (لَهُمَا تَقَوِّي الشَّيْءَ) أَيْ تَرْجِيحَهُ إنَّمَا يَكُونُ (بِتَابِعٍ) لِذَلِكَ الشَّيْءِ (لَا بِمُسْتَقِلٍّ) أَيْ لَا بِشَيْءٍ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّأْثِيرِ إذَا تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْصُلُ لِلْغَيْرِ قُوَّةٌ بِانْضِمَامِهِ إلَيْهِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مُسْتَقِلٌّ بِإِيجَابِ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مُرَجِّحًا لِمُوَافِقِهِ (بَلْ يُعَارِضُ) الدَّلِيلَ الْمُنْفَرِدَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كُلَّ دَلِيلٍ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَمَا يُعَارِضُ الدَّلِيلُ الْمَطْلُوبُ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا إذَا لَيْسَ مُعَارَضَتُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا بِأَوْلَى مِنْ مُعَارَضَتِهِ لِلْآخَرِ (وَيَسْقُطُ الْكُلُّ) عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ (كَالشَّهَادَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ نِصَابِهَا فِيهَا بِزِيَادَةٍ لِإِحْدَاهُمَا فِي الْعَدَدِ عَلَى الْأُخْرَى وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ فِي قَوْلٍ لَهُمَا يَرَيَانِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ إجْمَاعُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ مِنْ مُجْتَهِدِيهِ

(وَلِدَلَالَةِ إجْمَاعِ سِوَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِ عُصُوبَةِ ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ) بِأَنْ تَزَوَّجَ عَمُّ إنْسَانٍ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ الْأَبُ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَالِابْنُ ابْنُ عَمِّهِ وَأَخُوهُ لِأُمِّهِ (عَلَى ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ بِهِ) أَيْ بِأَخٍ لِأُمٍّ فِي الْإِرْثِ مِنْهُ (لِيُحَرِّمَ) ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ (بَلْ يَسْتَحِقُّ) ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ (بِكُلٍّ) مِنْ كَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ وَكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ (مُسْتَقِلًّا) نَصِيبًا مِنْ الْإِرْثِ فَيَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ وَنِصْفَ الْبَاقِي بِكَوْنِهِ عَصَبَةً إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا سِوَاهُمَا أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ يَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ أَخًا لِأُمٍّ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ بَنِي عَمِّهَا أَحَدُهُمْ أَخُوهَا لِأُمِّهَا فَقَضَى فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ لِأَخِيهَا لِأُمِّهَا السُّدُسَ وَهُوَ شَرِيكُهُمْ بَعْدُ فِي الْمَالِ وَقَضَى فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ الْمَالَ لَهُ دُونَ بَنِي عَمِّهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَلِدَلَالَةِ إجْمَاعِ الْكُلِّ (فِيهِ) أَيْ فِي ابْنِ عَمٍّ حَالَ كَوْنِهِ (زَوْجًا) أَيْضًا عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِهِ عَلَى ابْنِ عَمٍّ فَقَطْ فِي الْإِرْثِ فَيَكُونُ لِابْنِ الْعَمِّ الزَّوْجِ النِّصْفُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِزَوْجٍ إذْ لَوْ كَانَ التَّرْجِيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>