للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمَا (فَإِنَّهُ) أَيْ سَمَاعَهُ يَكُونُ (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) فَتَعَارَضَ الْإِثْبَاتُ وَالْمُشَافَهَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى النَّفْيِ

(وَإِذَا قَطَعَ) الْأَسْوَدُ (بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُخْبِرَةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (هِيَ) أَيْ عَائِشَةُ (فَلَا أَثَرَ لِارْتِفَاعِهِ) أَيْ الْحِجَابِ فَلَا يَصْلُحُ ارْتِفَاعُهُ مُرَجِّحًا فَيَتَرَجَّحُ الْإِثْبَاتُ عَلَى النَّفْيِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ لَيْسَتْ لِلنَّافِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَوْ رُجِّحَ) حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ (بِالسِّفَارَةِ لَكَانَ) التَّرْجِيحُ بِهَا لَيْسَ إلَّا (لِزِيَادَةِ الضَّبْطِ) ؛ لِأَنَّ السَّفِيرَ لَهُ زِيَادَةُ ضَبْطٍ (فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ) الَّتِي هُوَ سَفِيرٌ فِيهَا (فَإِذَا كَانَ) الضَّبْطُ (صِفَةَ النَّفْسِ) يَغْلِبُ ظَنُّ الصِّدْقِ وَحِينَئِذٍ (اعْتَدَلَا) أَيْ تَسَاوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَافِعٍ (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ لِوُجُودِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَتَرَجَّحَ) خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ (بِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ (لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَبَبِ عِلْمٍ هُوَ) أَيْ سَبَبُ الْعِلْمِ بِهِ (هَيْئَةُ الْمُحْرِمِ) بِخِلَافِ خَبَرِ أَبِي رَافِعٍ (نَعَمْ مَا عَنْ صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ) مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (إنْ صَحَّ قَوَّى) خَبَرَ أَبِي رَافِعٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ خَبَرَ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ يَتَرَجَّحُ عَلَى غَيْرِهِ إذَا عَارَضَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى وَقَدْ صَحَّ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» فَيَتَعَارَضُ تَرْجِيحُ إخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَبَبِ عِلْمٍ بِهِ وَتَرْجِيحُ خَبَرِ أَبِي رَافِعٍ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ إخْبَارِهَا وَبَيْنَ إخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَعَيَّنَ مَخْلَصًا (فَيَجِبُ) أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا تَزَوَّجَنِي (مَجَازًا عَنْ الدُّخُولِ) لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ الْعَادِيَّةِ بَيْنَهُمَا إذَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ (جَمْعًا) بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ

(وَمِنْهُ) أَيْ تَعَارُضِ التَّرَاجِيحِ (لِلْحَنَفِيَّةِ الْوَصْفُ الذَّاتِيُّ) وَهُوَ (مَا) يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ (بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ أَوْ الْجُزْءِ) الْغَالِبِ مِنْهَا (عَلَى الْحَالِّ) وَهُوَ (مَا) يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ (بِخَارِجٍ) أَيْ بِسَبَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَإِذَا تَعَارَضَا فِي مَحَلٍّ رُجِّحَ مَا فِيهِ الذَّاتِيُّ عَلَى الْحَالِّ؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّ أَسْبَقُ وُجُودًا مِنْ الْحَالِّ زَمَانًا أَوْ رُتْبَةً فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَاجْتِهَادٍ أُمْضِيَ حُكْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَخُ بِاجْتِهَادٍ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَالَّ فِي الشَّيْءِ قَائِمٌ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ وَمَا هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ قِيَامِهِ وَبَقَائِهِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْحَالُ مَوْجُودَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ تَابِعَةً لِغَيْرِهَا وَالذَّاتُ مَوْجُودَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَالتَّرْجِيحُ بِهَا أَوْلَى، ثُمَّ بَعْدَمَا صَارَ الدَّلِيلُ رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ لَا يُجْعَلُ الْآخَرُ رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَإِبْطَالًا لِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (كَصَوْمٍ) لِيَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لِيَوْمٍ مَعْنِيٍّ بِالنَّذْرِ (لَمْ يُبَيِّتْ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا نَوَى قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِذَنْ (بَعْضُهُ مَنْوِيٌّ وَبَعْضُهُ لَا) بِالضَّرُورَةِ (وَلَا يَتَجَزَّأُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ صِحَّةً وَفَسَادًا بَلْ إمَّا أَنْ يَفْسُدَ الْكُلُّ أَوْ يَصِحَّ الْكُلُّ (فَتَعَارَضَ مُفْسِدُ الْكُلِّ) وَهُوَ عَدَمُ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ (وَمُصَحِّحُهُ) أَيْ الْكُلِّ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ (فَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْإِفْسَادُ لِلْكُلِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ الْمُقْتَضِيهَا) أَيْ النِّيَّةِ (فِي الْكُلِّ) فَإِنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ تُوجِبُ الْفَسَادَ وَقَدْ انْتَفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ فَتَفْسُدُ لِعَدَمِهَا فَيَفْسُدُ الْكُلُّ لِتَعَذُّرِ فَسَادِ الْبَعْضِ وَصِحَّةِ الْبَعْضِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ عُرُوضَهُ لِلْإِمْسَاكِ لَا لِذَاتِ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَهُوَ النِّيَّةُ

(وَ) تَرْجِيحُ (الثَّانِي) وَهُوَ الصِّحَّةُ لِلْكُلِّ (بِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ) بِالنِّيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ وُجُودِهَا مَعَ كَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّرْجِيحُ تَرْجِيحٌ (بِالذَّاتِيِّ) فَإِنَّ وُجُودَهُ الْخَارِجِيَّ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ الْوَاقِعَةِ هِيَ فِيهَا أَعْنِي النِّيَّةَ (وَيُنْقَضُ) هَذَا (بِالْكَفَّارَةِ) أَيْ بِصَوْمِهَا، وَكَذَا بِصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوهُمَا إلَّا مُبَيَّتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ (وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْغَرَضَ) مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ (تَوَقُّفُ الْإِجْزَاءِ) أَيْ كَوْنُ تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتِ مَحْكُومًا بِتَوَقُّفِهَا (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>